حينما بدأ سعفان يحكي لي عن زميلنا محجوب والذي تزوج مؤخرا وهو على مشارف الخمسين فتحت فمي من الدهشة.. محجوب رجل رزين أعرفه جيدًا منذ خمسة عشر عاما على الأقل.. رجل موزون يحسب الكلمة قبل التلفظ بها بخلاف اهتماماته بمسؤولياته المادية والعملية والأسرية.. ورجعت بمسند مقعدي للوراء وانا انظر للسقف متأملا.. ما الذي دفع رجل مثل محجوب للإقدام على هذا الخطوة المهمة في حياته وخاصة وأنه يحظى بمكانه اجتماعية مميزة في عائلته وكذلك اسرته الصغيرة بين ابنتيه الجميلتين اللتين رزق بهما بعد زواجه منذ عشرين عام تقريبا.. وخطر في بالي انها ربما وتكون ازمة منتصف العمر التي تحدث للمتزوجين والتي صورها المخرجين في العديد من الافلام الغربية والتي أتذكر منها فيلم أزمة السنة السابعة للفاتنة مارلين مونرو والذي يتعرض لهذه المشكلة التي تحدث كل سبعة سنوات لأي علاقة زوجية.. انتبهت على صوت سعفان الجش وهو يقول.. رجل غريب والله.. وأيضًا يأخذ إجازة أسبوعين حتى يرتاح قليلا معها.. كان الوقت مبكرا في اليوم وفي الحقيقة كان لدي أطنان من المعاملات التي تحتاج ان اراجعها قبل ان أرسل الورق لسميرة لتراسل الموردين فاستأذنت منه أن استكمل العمل وربما نناقش هذا الموضوع لاحقا.. فخرج يضرب كفيه وهو يكلم نفسه فاضحكني مظهره الذي بدا كالمجاذيب.. غرقت وسط أوراقي كالعادة وقبل نهاية اليوم طلبت من مها السكرتيرة المنقولة حديثًا لمكتبي أن تبلغ سميرة ان أوراق الموردين جاهزة.. وبينما انا في طريق للموقف السفلي متجها نحو سيارتي نزلت سميرة من سيارتها وهي تهتف.. لماذا تأخرت هكذا.. انا انتظرك في السيارة منذ ساعة تقريبا.. ضحكت وانا أقول لها.. انت تعرفين أنى لا اغادر قبل ان أرتب أعمال الغد واخذ معي ما يحتاج ان اراجعه في المنزل.. قالت في سرعة.. لا لا عليك تأجيل عمل ما بعد العودة للمنزل هذا اليوم.. فانا أريد ان اقضي اليوم معك نتناول الغداء في مطعم الركن وربما ذهبنا للسينما إذا كان هناك وقت.. ابتسمت لها ابتسامة واسعة وانا أقول وهو كذلك.. قفزت في سيارتي بعدما احضرت حقيبتها من سياراتها الرياضية الصغيرة وتوجهنا نحو المطعم مباشرة.. حاولت اقناعها ان نعرج على المنزل لاستحم وأبدل ملابسي فأبت.. وقالت انت مناسب هكذا وفي النهاية انا من ستشاركك الغداء فلا يهمني حتى ان كنت بملابسك الداخلية فضحكنا سويا ووصلنا للمطعم بعد نصف ساعة تقريبا.. كان اللحم شهيا والطهو رائع استدعي من الإشادة بالطاهي الماهر وأيضا ان ننقدهم بقشيش ملائم جلسنا بعد الغداء نتحدث في هذا وذاك وجاء ذكر حكاية محجوب زميلنا الذي تزوج مؤخرا.. بعدما تحركنا نحو صالة واسعة خارجية جلها عبارة عن كنبات ثنائية وثيرة المقاعد غيرت سميرة مقعدها وانتقلت الي جواري بعدما طلبت من الجرسون فنجانين من القهوة وجلست تريح ظهرها على مسند الكنبة الجانبي وقد خلعت حذائها وجعلت اقدامها ملاصقة لرجلي وهي تقول.. من اين عرفت الاخبار يا عزيزي.. هل لديك وقت للنميمة ام ان هويدا تكفلت بنقل التفاصيل إليك.. ضحكت بصوت عال وانا أقول.. لا يا عزيزتي ليست هويدا.. انه سعفان.. جاءني اليوم صباحا في مكتبي وطفق يرغي ويزبد عن الموضوع وكيف ان محجوب أخطأ وانه في ازمة منتصف عمر الي مثل هذا القبيل.. ولكن يبدو من كلامك ان الموضوع معروف في الشركة.. لطالما كنت خارج دائرة النميمة تلك.. اشعر دائما ان الشركة هي مسؤوليتي فلا يعجبني ان يضيع جزء من وقت العمل وخاصة في الأيام المتخمة به في الحوارات الجانبية التي لا طائل منها وسميرة تعرف عني ذلك جيدا ولذلك نادرا ما نتبادل الحديث خارج إطار العمل الا في سهرات المكتب التي قلت كثيرا مؤخرا بعد تنظيم العمل وتزويدنا العديد من الموظفين الجدد مثل هويدا وأسماء وسعفان وغيرهم.. قالت وهي تنظر نحوي وقد بدأت تعبث بأصابع قدمها الطويلة في رجلي.. هل تعرفها.. اشرت برأسي أن لا.. عاجلتني بسرعة وهي تقول.. سوار.. الفتاة السورية التي تعمل في شركة الكيماويات التي انجزنا لها الشحنة الكبيرة العام الماضي.. ارتفع حاجبي دهشة وانا أقول.. بلي تذكرتها الأن.. يا إلهي تلك الفتاة القصيرة الممتلئة.. انها جميلة بحق.. ولكن كيف لمحجوب وهو قارب الخميسين وسوار التي لا اظنها تزيد عن خمسة وعشرين عاما.. ابتسمت وهي تقول مازلت مجاملا لجميع النساء يا عزيزي حتى في عدم وجودهن.. انها في الرابعة والثلاثين يا عزيزي.. وانا اعرف كيف في الحقيقة.. توجهت بجسدي نحوها وانا أتساءل.. تعرفين.. نظرت نحوي في خبث وهي تقول.. نعم جاءتني كل التفاصيل على طبق من فضة.. محجوب يعمل لدي في القسم وعندما كان في اجازته المرضية منذ عدة شهور كنت اعمل على حاسوبه من وقت لأخر.. لم يكن لي أي هدف للتلصص على خصوصياته ولكنه يبقى حافظة ملفاته على سطح المكتب.. وقالت مندهشة.. أي موظف هذا الذي يبقي ملفاته الشخصية على سطح المكتب بل وبرامج المحادثة الخاصة به مفعله على جهاز العمل وليس الجهاز الشخصي.. على كل الأحوال.. حينما فتحت حافظة الملفات تلك فتحتها بالخطأ في البداية.. وبمجرد إلقاء نظرة عليها ظننت أنها مقاطع جنسية لفتاة من موقع من تلك المواقع العربية المنتشرة لكن ما وجدته هناك لم يكن كذلك.. وانا أولا وأخيرا انثي ولا أستطيع ان أكبح جماح رغبتي في المعرفة.. وفي احدة من سهرات عملي .. بدأت مشاهدة تلك المقاطع والصور والصوتيات.. فوجدتها ليست فتاة عادية.. انها ساحرة بالمعنى الحقيقي للكلمة واعترف انني ان كنت رجلا كنت لأذهب زاحفا لتلك الفتاة لتقبلني شريكا بأي صورة من الصور.. استولت على فضولي تماما سميرة وانا اعارضها وأقول لها.. ليس لهذه الدرجة.. قالت بسرعة بكل أكثر من هذه الدرجة.. الفتاة كانت تراسله ليلا ونهارا.. ولا تخاطبه الا بسيدي.. ورايتها في معظم فيديوهاتها تسأله ان كان هذا اللون هو الذي يقصده او هذه الوضعية او هذا الكلام مما يعنى انها كانت وبشكل ما تشعره بأنها تنفذ أوامره.. ملت بجسدي للوراء وغصت في الكنبة الوثيرة وانا أقول لها انني اعرف هذا عن الشاميات أيضا.. فقد كان لي صديقة من بينهم خلال فترة من حياتي وهن بارعات في السيطرة على عقول رجالهن بطرق قد تبدو أنها تحتال على العقل ولكنني اظنها مشروعة في أي علاقة عاطفية جسدية.. وسرح عقلي في تفاصيل تلك الأيام وكيف ان تلك الفتاة ربطت قلبي وجسدي بها بشكل كبير ولولا المقادير لكانت مازلت من المقربات.. ابتسمت سميرة وهي تنظر داخل عيني مباشرة.. تذكرت صديقتك الشامية.. ضحكت وانا أقول وها انت تقرأين الأفكار الان.. ابتسمت ووضعت يدها في وسطها وهي تقول.. ولماذا لا تتذكرني انا بدلا منها.. ارتفعت ضحكتي رغما عني وانا امد يدي وامسكت يدها واقبلها وأقول وكيف اتذكرك وانا لا انساك من الأساس.. مخادع قالتها وهي تضع يديها على شفتي لأقبلهما مرة اخري ففعلت وبينما نحن في الطريق نحو موقف السيارات لتأخذ سيارتها قالت لي مباشرة.. اتجه من فضلك إلى شقتك سأقضي الليلة بصحبتك.. وافقتها وفي مصعد البناية تبادلنا قبلة طويلة.. وحالما دخلنا ابدلت ملابسها بواحدة من بيجامات النوم وبينما اشرب كوب قهوتي المسائي وجدتها تغفو على الاريكة حملتها على السرير الكبير ودثرتها جيدا وخرجت للشرفة أكمل قهوتي واتذكر رفيقتي.. وحالما تثاقل جفناي.. توجهت نحو الاريكة وخلدت للنوم.
Tuesday, April 30, 2024
Wednesday, January 10, 2024
وجوه.. رواية في حلقات منفصلة (الحلقة الثالثة عشرة)
دخلت هويدا بوجه مكفهر على غير عادتها وألقت تحية الصباح، دعوتها للجلوس.. نظرت لي مطولًا كأنها لم تسمعني، كانت ترتدي بلوزة من الشيفون الوردي الشفاف تستطيع ان تلمح منها لون صدريتها الوردي وتنورة قصيرة تلامس حافتها السفلية ركبتاها البيضاوان وتبرز جمال ساقيها الناعمتان وقد عقصت شعرها فوق رأسها وصبغت شفتيها بلون وردي يناسب بقية هندامها.. بعد ثوان من التحديق في وجهي.. عدَلت من وضع تنورتها قليلا ثم جلست قبالتي، اسرعت أسألها.. ماذا بك هويدا؟ زفرت.. لا شيء عزيزي حامد أنا فقط منزعجة قليلا. سري القلق في جسدي فقمت من مكاني وتوجهت نحوها وأنا أهتف.. حسنًا كفاك صمتًا ماذا هناك؟ نظرت نحوي ثم قامت من مكانها وارتمت حرفيا في حضني وهي تقول أنا أسفه حامد ولكن شيرين ليست على ما يرام. ربتّ على ظهرها في هدوء وأنا اجلسها مرة أخرى على الأريكة ثم جلست على الكرسي بجوارها وقلت في خفوت.. هل مازالت تأتيها تلك النوبات.. نظرت للسقف بعدما تمددت على الاريكة وقالت لم تتوقف منذ ذلك الحين.. صحيح أنها تباعدت إلى حد كبير بعد تلك الزيارة ولكنها من آن لأخر تطفو على السطح.. لا اعرف متي ستتوقف نهائيًا.. أشعر ان شيرين تعاني وليس بيدي شيء أقدمه لها.. خامرني شعور قوي بالذنب وأنا أتذكر بداية كل ذلك.. شيرين.. الأخت الصغرى لهويدا.. التحقت بالجامعة بعدنا بعدة سنوات.. وتعرفت عليها لأول مرة مع هويدا التي قدمتها لي بصفتها أخر عنقود الجميلات في أسرتها الكبيرة.. وبالفعل كانت شرين جميلة بحق.. عيناها الخضراوان الواسعتان وبشرتها البيضاء النقية وجسمها الصغير المتناسق الذي بدأ يظهر بعض الانوثة على استحياء وبراءة غير محدودة تظهر من قسماتها.. كانت تقضي كل وقتها تقريبا بصحبتنا وإذا لم تكن بكليتها لحضور محاضرة ما فهي تجلس بجانبي.. تستمع إلى حكاياتنا وقلما تشارك بالكلام وقد اقتنعنا جميعا انه ليس لديها ما تضيفه من قلة خبرتها.. وفي يوم أحد الأيام رن جرس هاتف المنزل.. ثم جاءني صوت شرين المنخفض الهامس.. حامد أنا شيرين.. أجبتها بسرعة.. عرفتك من صوتك. أهلا شيرين ماذا هناك. قالت في بطء.. أريد ان أتكلم معك قليلا.. رحبت بها وتحدثنا على الهاتف نحو ساعة فتحت لي قلبها بالكثير من الحكايات كان جلها طفولي ويعكس البراءة التي توقعتها وفي نهاية المكالمة قالت العبارة التي توقعتها.. لا تخبر هويدا أني تحدثت معك.. وعدتها بألا أخبرها. ونسيت أمر تلك المكالمة تماما حتى قابلتها بعد عدة أيام في فستان طويل، قصير الاكمام أبيض اللون موشي بأزهار صفراء رقيقة مثلها.. توجهت نحوي ومدت يدها تسلم عليَّ وهي تعلم أني لا امد يدي للسلام نحو الفتيات، مددت يدي نحوها اتلقى سلامها، وجدتها تمسك بيدي كأنها تتعلق بها نظرت لعينيها مباشرة فأخفضت عيناها في خجل.. ابتسمت لها في ود ثم جلسنا متجاورين.. قلت لها وأنا أتأمل الساحة الواسعة التي تناثر فيها الطلاب.. شيرين هل هناك ما تريدن ان تقوليه لي.. سكتت فأكملت.. نحن مقربان وصديقان يا عزيزتي ولكن يبدو أن هذا لا يكفيك.. أليس كذلك.. نظرت نحوها فوجدت وجنتاها متوردتان تماما.. فأكملت.. أنت تعرفين أني مرتبط وتعرفين موضوع نوران أليس كذلك؟ هنا رأيتها وكان دمعة قفزت من عيناها.. مددت يدي بمنديل ورقي نحوها أخذته ومسحت عيناها بسرعة وهي تقول.. أنت دائما صريح.. لاحظتك وأنت تتكلم مع الجميع.. وأنا لا اعرف أن أتكلم وأعبر عن مشاعري مثلك.. ولكني حينما أجلس مع نفسي أجدني أفكر فيك.. وأسترجع الأوقات التي أقضيها بجوارك.. وهنا - وأشارت إلى قلبها - بداخلي هناك شعور قوي يجعلني أريد البقاء معك كل الوقت.. مددت يدي وأمسكت بيديها وقلت تعالي نأكل شيئًا فانا لم أُفطر بعد.. توجهت واياها للمطعم القريب والتقطنا بعض الشطائر التي أكلتها أنا كلها تقريبا فهي لا تأكل إلا القليل.. قلت لها وأنا أنظر في عيناها.. ستكون علاقتك بي في الظل تعرفين هذا؟ لم اعرف لماذا تفوهت بهذه العبارة.. بدت لي مبتذلة وغير مناسبة.. لم يكن عندي مشكلة وطوال سنين دراستي الجامعية وما بعدها في أن يكون لي علاقات متعددة في نفس الوقت.. ولكني تعودت ألا أُخفي شيئًا.. دائما ما رفعت شعار من يريدني ها أنا ذا ومن لا يريدني فالخيار بيديه.. ودائما ما كان هذا الأسلوب مريحًا وسهلا في نفس الوقت.. ولكنى ولأول مرة أُحس أني أفعل شيئًا في الخفاء.. لم تستغرق شرين سوى ثوان لترد في نبرة قوية.. نعم ولعلك تستغرب إذا قلت لك أن هذا ما أريده أنا أيضا.. كان دوري أن انظر نحوها باندهاش.. تبعته ابتسامة..
تعددت لقاءتنا خارج حدود الأصدقاء ولم أخبر بأمرها أحدًا من كان، كانت هي أيضا حريصة للغاية ألا يعرف أحد من الأصدقاء عن أمر علاقتنا.. حتى انها قللت كثيرا من اجتماعها معنا.. وكلما سنحت الفرصة التقي وأياها في الحديقة الكبيرة أو أحد المقاهي المناسبة على شاطئ البحر.. وكان ان التحقت بتلك الدورة التعليمية الخاصة بعلوم ما وراء الطبيعة.. والتي تعرفت فيها على بعض العلوم النفسية وكان مما تقدمه تلك الدورة جزء كبير عن مبادئ التنويم المغناطيسي والتي كنت شغوفًا جدًا بتعلمها.. فتفانيت في حضور المحاضرات والتطبيقات العملية حتى ان مقدم الدورة كان يحدثني بإعجاب واضح بأنني التلميذ الذي تفوق على أستاذه بشكل يشعرني بالخجل إلى حد ما. في أحد الأيام توجهت إلى الحديقة الكبيرة لموعدي مع شيرين.. كان الجو الشتوي يسيطر على الأجواء وقد تجمعت بعض السحب الرمادية في سماء الغروب الحمراء وخلق الجو الذي يميل الي البرودة إحساس باللذة من ملمس اليدين الدافئتين لها.. وفي واحدة من الأماكن المخصصة للجلوس على الشاطئ جلست وهي قبالتي.. طفقت أحدثها عن أحداث الأسبوع وعندما وصلت الي دورة علوم ما وراء الطبيعة أبدت اهتمامًا شديدًا وحين حدثتها عن التنويم المغناطيسي رجتني أن أقوم بعمل تلك الجلسة معها.. كنت متحمسًا مثلها وخاصة ان كل ما قمت به أثناء الدراسة كان تدريبات مع زملاء الدورة نفسها.. جلست قبالتي وبدأت بالتكرار اللفظي البطيء ثم بدأت أرسم الصور العقلية المناسبة حتى أحسست أن شيرين قد استسلمت تمامًا لي.. بدأت أتحاور معها وهي على تلك الحال عن طفولتها وأحداث من الماضي.. بدأت تتجاوب بشكل مدهش لدرجة أنها بدأت تحكي لي عن ذكريات مبكرة جدًا لم اتخيل أنه من الممكن أن نتذكرها بشكل طبيعي.. ولكنها فجأة بدأت ملامحها تنزعج عند ذكر رحلة قامت بها وأسرتها الي قريتهم وبدأت نبرة صوتها تخفت وهي تتنفس بصوت عال.. بدأت في مسار الاستيقاظ المنتظم الذي تعلمته وحينما افاقت تمامًا سألتني بعيون واسعة عن نتيجة الجلسة.. ابتسمت وقلت يبدو أن فيها ما سيحتاج جلسة قادمة.. أخذت تسألني ماذا أعني وبينما أكلمها عما اخبرتني به أشرت للموضوع تلك الرحلة التي بدا عليها أنها لا تذكر أطلاقًا أي شيء عنها.. بعد عدة أيام. وفي لقاء لنا طلبت منها هذه المرة أن نستكمل جلستنا السابقة فوافقت. وتعمدت أن اخذ ذهنها المستسلم اثناء جلسة التنويم إلى ذات الرحلة وطلبت منها أن تذكر التفاصيل.. وكما توقعت فقد تركها والداها وأخوتها أسبوعين في ضيافة الأهل في قريتهم.. وكان عمرها لا يتعدى الخامسة في ذلك الوقت ويبدو أن شابًا من أبناء المضيف تعمد التحرش بها عدة مرات في البداية بالمصادفة عن طلبها لركوب الحمار كباقي الأولاد والبنات وبعدها في كل فرصة سانحة كما هددها بانه سيكشف الأمر لأهلها أذا تكلمت.. كانت شيرين تحكي وهي تنتفض وبدأ تنفسها يأخذ منحنى ثقيل وقوي أحسست ان لونها يميل للأزرق وأنها ستفقد الوعي والقدرة على التنفس أسرعت أحاول ايقاظها ولكنها عندما فتحت عينيها أحسست أن الإنسانة التي تنظر لي ليست شيرين التي اعرفها.. كان في نظرتها شيء من الحقد والكراهية لم اعرف سببهم في وقتها.. وحاولت أن اهدئها لكنها طلبت ان تغادر فورًا.. وبالفعل غادرت حتى بدون أن تنتظرني. بعد عدة أيام سالت هويدا عنها فقالت إنها مؤخرا تتسبب بمشاكل كبيرة في المنزل وتصرخ في الجميع بلا استثناء. طلبت منها أن أرها فدعتني لمنزلهم.. عندما انفردت بها اخبرتها أن جلسات التنويم التي قمنا بها هي السبب وبدأت احكي لها عن الحادثة التي طمرها عقلها في صندوق مظلم للذكريات في زاويته وللأسف أثناء جلستنا للتنويم المغناطيسي فتحنا هذا الصندوق.. نظرت لي وعينيها مصعوقتان وهي مازالت غير مصدقة أني اعرف بشأن هذه الاحداث التي هي نفسها كانت تنكر وجودها قبل أيام مضت.. امسكت بيديها بحنان وقلت لها أن الحل الوحيد بيديها أن تسمح لي بجلسة للتنويم المغناطيسي لندفن تلك الذكريات حيثما كانت.. استجابت بصعوبة وبدأنا بطريقتي المعتادة حتى عدنا لنفس النقطة من الحكاية وعندها بدأت اوجهها أن هذا الشخص لم يستطيع أن يتواصل معها وأنه كلما بحث عنها لم يجدها وغيرت سيناريو الذكرى تماما حتى أنني اقنعتها خلال الجلسة أنه سقط من فوق الحمار وظل مريضا طوال الفترة التي تلت زيارتهم لتك القرية.. ظننت وقتها ان الموضوع قد تم علاجه نهائيا ولكن للأسف كانت شيرين و في أوقات متباعدة تلح عليها تلك الذكري وكأنها تحاول ان تتفلت من الزاوية التي حبسناها فيها.. طلبت من هويدا أن تنسق لي موعد مع شيرين وبالفعل جلسنا سويًا وقمت بذات الأمر مرة اخري وعندما افاقت شيرين نظرت في عينيها الواسعتان في صمت فوجدتهما قد عادا صافيتان.. ابتسمت لها وناديت على هويدا التي جاءت وهي تنظر نحونا غير مصدقة ان الفتاة الهادئة التي تجلس قبالتي هي شيرين نفسها.. بعد جلستنا الطويلة ودعتهما حتى انصرفا.. توجهت الي غرفتي ونمت.