Sunday, January 1, 2023

وجوه.. رواية في حلقات منفصلة (الحلقة الحادية عشرة)

 

التحقت بالعمل هنا منذ أربعة اسابيع تقريبًا.. جاءني اتصال أخبرني أنهم يطلبون خدماتي في هذه الشركة. بعدما أنهيت مقابلتي العمل الأولي والثانية تقدموا لي بعرض مغر للغاية لم أستطع معه الرفض وخاصة اننا نعيش في دولة خليجية مصاريف الحياة بها مرتفعة للغاية.

في النهاية كنت اوقع العقد في المكتب الذي لاحظت منذ الوهلة الأولي أنه مكتظ بالسيدات على عكس معظم اماكن العمل بالشركات المماثلة بالخليج. لم تكن لي علاقات مباشرة بقسم الموارد البشرية فعملي بإدارة الحسابات يجعل اتصالنا محدود ربما عدة مرات في الشهر يطلبون فيها أوراقا شخصية او تحديثًا للبيانات وخلافه. بدأت ألاحظ نادية في طريقي للخروج من المكتب.. جسم ممتلئ باعتدال خصر نحيل ومؤخرة نموذجية تحبسها داخل بنطال من الجينز يبرز اتساعها المرضي. شعرها مموج مصفف بهذا الاسلوب منذ رأيتها وعيون مكحلة بعناية بها فتنة لا يمكنك ألا تلاحظها. تنوعت قمصانها التي ترتديها بين مكشوفة الصدر أو الظهر إلى مكشوفة الأكتاف والتي كانت صرعة الموسم في ذلك الوقت لكنها كانت لابد وأن تكون مكشوفة من مكان ما تبرز بشرة بضة ناعمة تلائم سنوات عمرها الثلاثين..

في الاسابيع التالية اعتدت ان اختلس النظر إليها كلما زرت القسم أما للثرثرة مع مديرتها القصيرة أو لتبادل الاوراق بين قسمينا وقد أعجبني للغاية عنايتها بأصابع أقدامها وصبغها الأحمر الدموي وارتدائها ما يبرز جمال تلك الاقدام.

في إحدى المرات لاحظت قصاصة من جريدة تبقيها على مكتبها لفتت نظري.. فهي لرجل ياباني يملك شركة شهيرة جدا لصناعة السيارات وهو يصف كيف أن وقت الراحة يساوي عنده أهمية وقت العمل بالنسبة لموظفيه فعلقت على الصورة رغمًا عني بأنه خيال الحديث عن كوكب اليابان كما يحلو للبعض ان يسميه فنظرت لي وهي تؤكد على كلامي. تبادلنا أطراف الحديث وسألتها عن الطريقة التي تقضي هي فيها وقتها لتستمع بالوقت طالما هي تراها اوقات مهمة كأوقات العمل تمامًا ابتسمت وقالت انها ومع وجود طفلتاها قد تقلص هذا الوقت تماما لكنها مازالت تقتنص بعض الوقت لنفسها وزوجها بعد الاستعانة بجليسة مناسبة للطفلتين. ثم وبعفوية شديدة دعتني لحضور حفل لمجموعة تنتمي إليها على واحدة من وسائل التواصل الاجتماعي.. رحبت بالدعوة متحمسًا وانا أشرح أن السبب الرئيسي لقبول تلك الدعوة هو رغبتي في تكوين صداقات جديدة وأن كان السبب الحقيقي هو ليس إلا للاستمتاع برؤيتها تتحرك في المكان ومعاينة جسدها الفائر وتقاسيمه المغرية.

وصلت لبهو الفندق في الميعاد تقريبا اعلمتني هي انها ستحضر الحفل بصحبة زوجها الذي كان مرحا لأقصي حد يضاحك هذا وتلك وبدا لي أن لهم اصدقاء كثر في تلك المجموعة التي تنتمي إلى المجتمع الراقي بالمدينة. في صالة شبه مظلمة عزفت موسيقي ما وتداول الحاضرون الخمور وغيرها.. امتنعت عن الشرب كعادتي واكتفيت بمشروب غازي مثلج وتوجهت إلى المقاعد التي أستطيع منها متابعة المكان من بعيد..

رأيتها تتحرك وزوجها لبعض الوقت ثم انفصلا واستئنافا ثرثرتهما مع الجميع تقريبا. كنت مستمعا للغاية بمتابعة ازياء الاجواء الليلية التي غلب عليها الالوان الفضية والكحلية البراقة العاكسة للضوء وقد أدت عملها علي خير وجه فكانت ملفتة للنظر تكشف التفاصيل والبروز والاخاديد وتنبئك بتضاريس الارض التي تغطيها او تحاول.

تعرفت في جلستي على نيرمين وهي سيدة تعيش في ذات المدينة منذ سنوات. تقترب من نهاية العقد الثالث غير متزوجة وقد شدني حوارها مع جار لي في الجلسة وهي تقول ان المرأة كالسيارة يحب الرجل أن يشتريها طالما هي متعافية في مغير السرعات و"الشاسيه" والمحرك تماما ما ينطبق عليها هي أيضًا وقد جاء هذا الرد على سؤاله المحرج عن لماذا لم تتزوج حتى الآن. تدخلت في الحوار رغمًا عني فالسيدة جميلة ترتدي فستان قصير من الدانتيل باللون الابيض يبرز مفاتنها على نحو كبير وقلت ان السيارات قد يبلي موديلها حتى مع تلك المواصفات ولكن المرأة المتجددة لا ينطبق عليها هذا القانون وصحيح ان التشبيه يفتح الباب للخيال لكنه حتى وأن كانت ولابد مُشبهة المرأة بالسيارة فلتكن سيارة بورشة أو بنتلي أو حتى رولزرويس.

ندت منها ضحكة عالية للغاية فاجئتي فالتفت حولي متحرجا فوجدت نظرات معظم الحاضرين وقد توجهت نحونا. ابتسمت وسألتها عن المجموعة واوقات اجتماعهم وبدأت تشرح لي كيفية الاشتراك فيها لمتابعة الاجتماعات التي يقيمونها من وقت لأخر وأنها اختارت هذا الطريق للتعرف على الاخرين نظرا لطبيعة الحياة في الخليج والتي يكون من الصعب فيها تكوين صداقات شخصية.

وبينما انهمكت معها في الحديث وقد بدت لي لطيفة إلى حد كبير. انضمت إلينا نادية التي كنت قد بدأت أنسي متابعتها لوهله بتأثير نيرمين. أري أنك تعرفت الي ناني يا حامد.. ابتسمت لها نيرمين وقالت لها في لهجة لم اتبين مغزاها اذا فانتم أصدقاء ضحكت نادية بطريقة بدت لي مفتعله وهي تومئ برأسها وتقول أنا من دعوته للحفل يا عزيزتي قالت عبارتها تلك وهي تنحني نصف انحناءة وتلوح بيديها في طريقة تمثيلية ورغمًا عني التقطت عيناي استدارة نهديها اللذان تحررا لوهله خلال تلك الثواني ورفعت عيني بسرعة لكنهما اصطدمتا بعيني نيرمين التي يبدو وانها كانت تتابعني منذ البداية... ابتسمت ثم انخرطنا في حديث متشعب لاحظت فيه ان نادية ونيرمين مقربتان للغاية..

في نهاية السهرة وضعت نادية يدها على ذراعي وهي تقول ارجو ان تكون السهرة اعجبتك.. ثم اردفت كنت اتمني ان اعرفك على ريمون لكنه ككل مرة بمجرد أن ندخل المكان ينخرط مع اصدقاءه وصديقاته وينساني.. قالت اللفظ الاخير بلمحة من الأسي لم تخطئها أذني.. فجال في عقلي رغما عني فكرة أن يعزف رجل عن تلك الأنثى الماثلة امامي ولم أجد لها تعبيرا غير الأنثى لما بدا من إغواء في هيئتها بهذا البنطلون الجلدي الضيق والبلوزة الصفراء المكشوفة الصدر والظهر وحليها البراقة وشعرها المتماوج وزينتها الأنيقة وبينما أرد عبارتها بمجاملة استحقتها عن جدارة فوجئت بنيرمين تتأبط ذراعي وتدفعني برفق نحو الباب وهي تقول في كلمات بدا واضحا فيها أثر السُكْر عفوا يا نودي سأجعل حامد يوصلني للسيارة يبدو أني شربت أكثر من اللازم اليوم.

ازعجتني رائحة الخمر من فمها لكني أحببت دفء جسدها حينما التصقت بي ابتسمت لنادية وسلمت عليها وراقنتي جدا نعومة بشرتها عند تلامس كفينا وبينما اغادر اضررت ان احيط خصر نيرمين بيدي حتى لا تسقط سمعت من بين شفتي نادية تنهيدة تغافلت عنها وتوجهت للمصعد..

حالما وصلنا للمرأب اعطتني نيرمين مفتاحها وهي تسألني ان أجد سيارتها لأنها تشعر بعدم التركيز. بحثت عن السيارة ثم وضعتها على مقعد الراكب.. وكنت قد قررت ان اترك سيارتي واوصلها لأنها بالتأكيد ستصنع كارثة إذا قررت ان تقود سيارتها وهي في مثل تلك الحالة.. انطلقت بالسيارة اسألها عن العنوان فكانت تترنح وتجيب بطريقة لم افهمها..

ارسلت لنادية لترسل لي العنوان فأرسلته مندهشة.. شكرتها وتوجهت للعنوان واستخدمت سلسلة مفاتيح نيرمين في فتح الباب الامامي للفيلا حملتها تقريبا حتى صعدت بيها لغرفة نومها واسجيتها على سريرها وقمت بتغطيتها بعدما نزعت حذائها واطفئت الانوار ثم طفقت عائدا للفندق لأخذ سيارتي.

بعدها بيومين او ثلاث جاءت نادية لأول مرة لمكتبي تسلمني النسخة الورقية من ملفات مطلوبة من قسمهم عن طريق البنك كانت ترتدي فستنان رسمي يصل لركبتيها بدت انيقة للغاية ولم أستطع ان ارفع عيني عن خصرها الضيق وهي تقف قبالتي وبينما هي تخرج من المكتب قالت في عفوية. نيرمين تبلغك تحياتها وتشكرك على توصيلها يوم الحفل.. ابتسمت متحرجا وقلت مغمغما انه لا داعي لذكر الامر فقالت بالتأكيد فهو عمل طبيعي من اي جنتلمان ابتسمت للكلمة فأردفت وهي تريدك ان تحضر حفل عيد ميلادها في اول الاسبوع القادم.

نظرت لها مندهشا للحظة كأني لم اتوقع تلك الدعوة نبهتني قائلة ما رأيك. قلت مفكرا شيء غريب ألا تدعوني صاحبة الحفل بنفسها ولكن ربما كانت تتقي أي حرج من رفضي للدعوة انما على كل الاحوال أعتقد أنني لست مرتبطا بأي مواعيد اول الاسبوع القادم.. قالت إنني سيكون عليَّ ان أوصلها.. لان ريمون في اندونيسيا في رحلة عمل.. هززت رأسي انه من دواعي سروري فابتسمت وخرجت تتبعها عيناي...

مرت الأيام سريعًا في زحمة العمل وفي مساء الاحد هاتفتني نادية وقالت انها تنتظرني بعد ساعة تقريبا لحفل نيرمين.. خبطت رأسي بكفي فقد نسيت تماما موضوع الحفل هذا.. وقمت كالصاروخ لأحلق ذقني وأرتب شيئًا ارتديه.. نزلت مسرعًا وحاولت مسح السيارة التي أعتلاها التراب واظن أني نجحت..

أمام الفيلا التي تسكنها نادية توقفت ثم هاتفتها فرأيت باب المرأب يفتح فدخلت. نزلت من السيارة ووقفت بجوارها في انتظارها. بعد دقيقتين رأيتها تخرج من باب المنزل في فستان ضيق قصير باللون الفضي بحمالات على الأكتاف يبرز استدارة ساقيها وردفيها وفوقه عقد من اللؤلؤ يسيل حرفيا على نهديها وقد عقصت شعرها بطريقة لطيفة وزينته بحبات من اللؤلؤ أيضا. اندهشت وأنا أسألها بعد صفير مناسب للوحة الفتنة التي أراها امامي متي استطعت ان تتأنقي هكذا وما هذه الحقيبة الصغيرة بين يديك عبست بطريقة طفولية وقالت ماذا تقول ألست دائما متأنقة؟ اسرعت أقول انها بالفعل دائما ما تبدو متأنقة وترتدي أحدث الصرعات وهو ما يثير حسد كل السيدات وحتى الفتيات من حولها..

ابتسمت في رضا وقالت الذي في يدي هو هدية نيرمين. خبطت رأسي للمرة الثانية براحتي وانا أقول: مغفل كيف نسيت امرا كهذا. ضحكت في جذل وقالت لا تكترث هناك محل للهدايا قريب من المنزل يمكنك اختيار بوكيه من الورود فهو يصلح لكل المناسبات نظرت لها في امتنان وركبنا السيارة.

قالت لي انه برغم محاولاتي لإخفائه فإن التراب مازال يظهر على السيارة ضحكت وانا اقول إن التراب الذي يعتلي كل شيء في هذا البلد الصحراوي يتكاثر يوم بعد يوم بعد كل تلك الاعتلاءات.. ضحكت بصوت عال وقد راقت لها المزحة وقالت دعنا نمر بمغسلة السيارات داخل المحطة القريبة. ذهبنا لمحل الهدايا وانتقينا بوكيه من الورود ثم عرجنا على مغسلة السيارات الأوتوماتيكية..

وبينما نحن جالسان تجاذبنا أطراف الحديث وانا متوجه اليها بكل حواسي وهي تجلس بجواري وقد قرر فستانها القصير بعد جلستها ان يصل لحد أصبح معه الوضع خطرا وخاصة انها لم تحاول إخفاء قصره الواضح حتى بتلك الحقيبة النسائية الصغيرة التي وضعتها بجانبها. بعد نصف الساعة وصلنا لفيلا نيرمين وانا أقول ليها يبدو انني الوحيد الذي يعيش في سكن متواضع في هذه الدولة.

ابتسمت وهي تقول إن فيلا نيرمين توفرها الشركة التي تعمل فيها مدير التسويق وفيلتها توفرها شركة ريمون زوجها وهكذا فإن شقتي التي أتكفل بها انا ربما تكون أكثر قيمة من الفيلتين مجتمعتين. نظرت نحوها في إعجاب فقد كانت كلماتها تحمل التقدير وبأسلوب راقي احببته ورأيت ان جمالها المثير ليس هو مزيتها الوحيدة..

نزلت من السيارة مسرعا افتح لها الباب فمدت يدها نحوي فاستلمتها في رقة وانا اساعدها على النهوض من كرسي السيارة وعيناي تحاولان إخفاء اعجابهما بهذا لجسد المنحوت على يد فنان بالغ بإفراط في اظهار مفاتنه وبينما هي تنزل من السيارة ندت منها آهة بسيطة رنت جميع أجراس الإثارة في عقلي الذي حاولت تشتيته بالعد عكسيا من مائة حتى الخمسين وفشلت تلك المحاولة تماما.. دخلنا المكان الذي احسسته مزدحم وقد بدأت نادية تسلم على اصدقائها المشتركين مع نيرمين وتعرفني عليهم وانا ابتسم واشير برأسي في ايماءات مجاملة..

انفلتت نادية من يدي واتجهت نحو اصدقائها ومعارفها واتجهت نحو واحدة من الطاولات ازدانت بألوان عديدة من الحلويات الغربية.. وبما أنى تقريبا لا اعرف الا القليل جدا عن هذه الحلويات مددت يدي نحو أقرب طبق ووضعت به بعض قطع "الجاتوه سوارية" الصغيرة وكان هناك من يمر بصينية محملة بكؤوس بها سائل ما.. يفور.. سألته بالإنجليزية.. غير كحولي هز رأسه بإيماءة أن لا.. وهو ما يعني ان معظم ان لم يكن كل من في هذه القاعة يشربون الكحول حاليًا.. اكتفيت بطبق "الجاتوة" الصغير وتوجهت نحو ركن البهو الواسع للفيلا حتى لا اعيق حركة الزوار الذين كانوا مازالوا يتوافدون.. بعد دقيقة كانت نيرمين تنزل من الدور العلوي.. وكأنها تعمدت الا تكون في واحدة من الغرف السفلية بالفيلا لتدخل الحفل بهذا النزول الدرامي.. 

كيف تستطيع تلك المرأة ان تسبب كل هذه الرغبة في العيون.. حتى السيدات أحسست بهن ينهلن من طلتها بفستانها الأسود الضيق القصير للغاية والمزدان بحبات ألماسية رسمت مفاتنها بعناية وانعكست عليها أضواء الحفل لتعطيها بريقًا فوق بريقها وقد علقته على جسدها بحمالتين رفيعتين على الكتفين.. نزلت نيرمين ببطيء على الدرج والجميع يصفقون لصاحبة الحفل التي كانت في قمة تأنقها وقد علت وجهها ابتسامة عريضة.. وقفت كالجميع أتأمل نزولها وانا اقاوم رغبتي في النظر نحو مؤخرتها البارزة وأبدي بعض الكياسة في التركيز على ملامح وجهها الجميل.. لاحظت ان هناك خادمتين يتبعونها ولفت نظري انهما تتسلمان الهدايا نيابة عنها من المدعوين.. وسالت نفسي أين كانتا عندما اوصلتها لبيتها بعد الحفل الذي تعرفت عليها فيه.. هززت رأسي متجاوزا السؤال.. وبعد عدة دقائق قضيتها في مطالعة رواد الحفل من السيدات الفاتنات والآتي ارتدين مجموعة واسعة من الفساتين البراقة والتي تعمد صناعها ان تظهر وبكل وضوح مفاتنهن العديدة.. كن كفروع الأشجار تتمايل في غنج وجمال.. وقتها أدركت ماذا قصد الباردوي حين قال بيت شعره الشهير "تهتز في فرعها الفينان من سرق.. كسمهري له من سوسن عذب".. 

كانت نيرمين قد اقتربت من المكان الذي وقفت فيه حاملا بوكيه الورود البيضاء والتي اخترتها أملا ان تعجبها.. توجهت نحوي وكأنها ستحتضنني وتعجبت من طلاقتها وهي تأخذ باقة الازهار من يدي وهي تصيح بي.. أوووه محمود كيف علمت ان الليلك هو زهرتي المفضلة.. ابتسمت متمما بعبارات لا اعرف شخصيا ماذا قلت لها.. وكيف لي ان اعرف انها زهرتها المفضلة.. بل كيف لي ان اعرف ان تلك الزهرة البيضاء الصغيرة الجميلة اسمها.. "ليلك" من الاساس.. قلت في النهاية.. انت زهرة جميلة نيرمين وقد اخترت أجمل الزهور رائحة وأقربها لطلتك الجميلة.. تقدمت منها إحدى الخادمتان لتأخذ الباقة فنهرتها.. وقالت بصوت عال وبإنجليزية سليمة.. كلا سأبقى البوكية معي فهذه ازهاري أنا.. لم أكن اعرف ان الكلمات قد يكون وقعها على الانسان قويا لهذه الدرجة.. فهاتان العبارتان كان لهما من الأثر علي حتى انني شعرت ان الحفل ليس فيه إلا أنا وأن كل اضواءه قد تسلطت على وجهي تماما.. ابتسمت في خجل وانا أسحب يدي برفق من يد نيرمين فتحركت الي جانبي وبدأت تعرفني هي الأخرى بمعارفها واصدقائها.. بعد ثوان اقتربت نادية وقبلت نيرمين بعدما اعطتها هديتها وقالت أرى ان ازهار حامد أعجبتك وهي تنظر لي نظرة ذات مغزى.. اجابتها نيرمين نعم اعجبتني للغاية شكرا لك حامد على الموافقة على الحضور.. 

كان هذا الكم من المجاملات كثيرا جدا علي.. اعتذرت من السيدتان للتوجه للحمام.. وفي قرارة نفسي كنت اهرب نحو مكان انفرد فيه بنفسي.. قادني أحد الخدم الي الحمام وبعدما نثرت بعض الماء على وجهي خرجت اتحسس طريقي نحو الحديقة حيث عدد اقل من المدعوين وخاصة ان الجو صيفي والرطوبة في هذا البلد تجعلها بطولة من أي انسان ان يستطيع قضاء الوقت بالخارج بعيدًا عن أجهزة التكييف حتى في الليل.. وان كان يدهشني البريطانيين والكنديين تحديدًا والذين يبدون استمتاع غير طبيعي بالجو الحار والرطب بل ويجلسون في الخارج يتبادلون أحاديثهم وكأنهم تحت أجهزة التكييف.. قررت بعد قيل انه حان الوقت للرحيل ولكن لابد ان تكون نادية قد قررت ذلك أيضا.. 

دخلت للبهو الكبير فوجدتها تتحرك نحوي مباشرة.. حامد أخص عليك اين كنت.. كنت في الخارج يا نادية في الحقيقة المكان مزدحم للغاية وانا تقريبا لا اعرف الا أنت ونيرمين ولا اريد أن اخذكما من اصدقائكما.. نظرت لي نظرة عتاب امسكت بعدها يدي وهي تقول هيا بنا.. استسلمت لها وهي تشدني نحو السيارة الرابضة على مدخل الجراج الكبير.. سألتها ألن تودعي نيرمين.. اومأت برأسها ان لا.. ستأخذك مني.. لم اتفوه بحرف وهي مازالت ملامحها متجهمة.. ركبت السيارة وادرتها واتجهت نحو الطريق المؤدي لبيتها.. وضعت يديها على يدي الممسكة بالمقود وهي تقول.. توجه نحو اللؤلؤة حامد لو سمحت.. اللؤلؤة.. مدينة عائمة هي درة الدولة الخليجية التي نعيش فيها وشوارعها من الجمال بمكان تأخذك في عالم سحري جميل.. 

توجهت نحوها وبدأت اسير بالسيارة الهويني وانا اراها بطرف عيني قد توجهت بنظرها نحو الزجاج المجاور لها تطالع البنايات والمحلات والشوارع.. وما هذا..؟ هل تنحدر من عينيها دموع. لم اعد افهم أي شيء وتوقف عقلي عن التفكير.. اشارت نحو منطقة واسعة لركن السيارات مقابلة للبحر تماما.. ركنت السيارة استجابة لطلبها.. نزلت وتوجهت نحو الشاطئ وبعفوية خلعت حذائها ذو الكعب العالي في بداية الشاطئ وتوجهت نحو الماء حتى خلتها ستدخله فلحقتها بسرعة فالتفتت نحوي وارتمت في حضني فاحتويتها بهدوء وعلى الضوء الخافت القادم من الاعمدة البعيدة رأيت دموعها تنساب وقد بدأت تنشج بصوت عال لم أدري لما بدا لي مثيرا وقتها.. ورفعت رأسها نحوي وهي تقول أنا اسفة جدا حامد أنا مش عارفة ايه لعب العيال اللي انا بعمله ده.. منحتها أفضل ابتسامة استطعت ان ارسمها على وجهي وانا أقول.. انا شخصيا اشكر لعب العيال الذي جعلك في حضني الان.. وكزتني بيديها في صدري وهو تقول ضاحكة.. انت مش بتبطل.. أمسكت بيديها الجميلتين وانا أقول لها بسرعة.. قصدك ايه يا فندم.. ضحكت ضحكة عذبة جميلة وهي تقول.. انت مش بتفكر غير في كده.. صدمتني للمرة الالف في هذه الليلة وهي تقول.. دايما عينك عليا.. شفتك من اول يوم على فكرة.. رددت وانا اتلعثم.. هو انا باين عليا اوي كده.. ضحكت مرة اخري.. وهي تقول بتعجبني لما بتتكلم بعفوية.. امسكت يديها وقبلتها وقلت مباشرة.. غصب عني الحقيقة.. جمالك أخدني على خوانة.. امسكت يدي وقبلتها هي الأخرى فأحسست بالدم يندفع في راسي وفي كل أجزاء جسدي في الحقيقة.. آلهة الفتنة هذه بين يدي تقبل أصابعي بتلك النشوة.. لقد ان الأوان لهذا الحلم ان ينتهي..

فوجئت بها حينما نظرت في عيني وهي تقول وكانها تقرأ أفكاري.. هل أحلم يا حامد.. لقد تمنيت هذه اللحظة منذ كنا في الحفلة سويا.. واحسست ان نيرمين ستأخذك منى.. أنىَّ لي أن انافسها وانا أم لطفلتين وليس لي نصف بهاؤها.. وها نحن قد انتهى بنا الامر هاهنا.. اجبتها بهدوء أنني أنا أيضا معجب بها للغاية.. وعلى الرغم من اني لا أنكر فتنة نيرمين.. ولكني لم احضر أي من تلك الحفلات الا لأكون بجوارها.. ابتسمت في رضا وقالت هيا بنا لقد تأخرنا ولدينا عمل في الغد.. امسكت بيديها وبينما نسير على الرمال.. التقطت انا حذائها الصغير وتعمدت ان تجلس بالسيارة والبسها إياه بيدي وانا انظر في عينيها التي قالت ما لم تقولها شفتاها.. في الطريق للبيت تعانقت كفانا حتى وصلنا لفيلتها انزلتها وسلمت عليها وانا اضغط على كفها في عناق بادلتني إياه يداها.. وتوجهت الي منزلي منتشيًا بتلك الليلة المشحونة بالعواطف الجياشة.. في طريقي رأيت على شاشة جوالي عدة رسائل من نرمين.. لم افتحها عامدا وبمجرد ان طلعت الي شقتي الصغيرة.. ابدلت ملابسي وتوجهت نحو سريري ونمت.

وجوه.. رواية في حلقات منفصلة (الحلقة العاشرة)

 

هذه هي الحفلة الثانية لي منذ أحضرتني "شاهندة" إلى هنا.. تلك المحظوظة.. كيف وقعت على هذا الاسم. "شاهندة".. ألست معي انه اسم يوحي بالرقي وسعة العيش..

وبرغم علمي التام بحياة "نعمة" قبل ان يصبح اسمها "شاهندة" لكن هذا الاسم قد منحها بريقا لا يمكن إنكاره.. هي نفسها قد اخبرتني أن عملها تحسن عدة مرات بعدما اختارت هذا الاسم عملًا باقتراح "المسيو" بعد عدة شهور من التحاقها بالوكالة.

همم.. طبيعة العمل بالوكالة.. تقصد ماذا نعمل هنا... دعني اشرح لك وستفهم بالتأكيد. يبدو عليك من أولاد الناس المتنورين وستستوعب بسهولة..

آه نسيت سامحني.. أنا دلال.. نعم دلال هو اسمي الحقيقي.. لماذا لم أغيره كما فعلت "نعمة".. سيحدث قريبا جدًا. فبرغم صوت الغنج الذي يصدره عند نطقه لكنه يظل بلدي جدًا. ويشبه بشدة طبيعة البيئة التي خرجت منها. لماذا احكي لك.. لأنك مختلف. تتعامل معي وليس مع مؤهلاتي ككل من عرفت..

انظر حولك في هذا البهو الكبير.. عددنا حوالي عشرة.. يتم التنسيق مع "المسيو" عند إقامة حفل مميز لنتحرك وسط المدعوين كما تري.. نبتسم.. نأكل بأناقة.. نتبادل الأحاديث.. ولا مانع ان استلطف واحد من المدعوين واحدة منا أن ترافقه.. ولكن هذا ايضا بإذن "المسيو"..

نعم يمكنك ان تقول إننا كمعطر الجو الذي يرشه الناس في الهواء ليتناثر ويمنحك الرائحة العطرة للحظات ثم يختفي فلا تري له أثر.. تقول أنك لم تسالني عن كل هذا.. ماذا؟.. تعرف!!... كيف لك ان تعرف.. لابد أنك معتاد على هذا النوع من الحفلات.. إذا كيف عرفت؟.. حسنا يبدو ان احساسك صائب يا عزيزي..  

اعذرني على كثرة كلامي فأنا نادرا ما اتكلم مع أحد خارج نطاق العمل ولكني حقيقة ارتحت لك.. هل يضايقك ان اخذ رقم هاتفك؟.. لحظة كرره على مرتين لأني لا أستطيع ان اكتبه فيعرف "المسيو".. لا تستغرب فزميلات عملي هنا تسعدهم جدًا الوشاية كعمل روتيني.. شيء يفعلونه للمتعة فقط وبدون اي مكاسب شخصية.. حسنا لقد حفظته والان سأذهب لأكمل عملي كانت فرصة سعيدة يا استاذ؟؟ حامد.. اسمك حامد.. تقليدي هو هذا الاسم ايضا.. لكنه بالتأكيد يصلح لعالم الرجال.. سأرحل الان. سأكلمك فيما بعد ان لم يكن عندك مانع.. لا شيء مجرد دردشة. لا تقلق. بعد إذنك استاذ حامد.

هذه الحفلة مزدحمة فعلا.. يبدو ان الفتيات يقمن بعملهن جيدا... واخيرا اشارت لنا "دينا" بالرحيل.. كانت ليلة ظريفة.. لا اصدق ان هذا ما عليَّ ان افعله الان لأحصل على خمسمائة جنيه في نهاية الليل. يبدو ان هذا حلم ولا اريد ان افيق منه.. سترافقني "فاتن" و"دعاء".. جيد لنقسم اجرة التاكسي كما أننا نعيش في نفس الشقة...

أخيرا غرفتي المنفصلة وسريري. لا داعي لاجترار الذكريات الان.. فقط لأنام واستمتع بالوقت الجميل الذي قضيته اليوم وهذا المدعو حامد. تذكرت لأسجل رقم الهاتف قبلما انساه... ما هذا الاسلوب المميز الذي يتعامل به.. هل بالفعل يوجد رجال على هذا النحو.. لماذا اريد ان احكي له على كل شيء..

ما الفائدة وقد بدا عليه انه يعلم فعلا طبيعة عملي أنا وباقي الفتيات.. لا أعرف ماذا افعل ولكن ها هو الهاتف لاتصل به وليكن ما يكون. آلو.. استاذ حامد أهلا.. هل يضايقك لو نتقابل غدا.. لا مشكلة إن كان وقتك لا يسمح.. ماذا.. لا مانع.. حسنًا.. ما رأيك بكازينو الشاطئ.. تحبه.. عظيم.. الساعة السادسة.. عشاء.. ليس هناك داع.. نعم يسعدني.. حسنًا اراك غدا في السادسة.. تصبح على خير ... والان الي النوم يا دلال..

في الصباح استيقظت في العاشرة.. بعد الافطار استلقيت في السرير اشاهد أحد المسلسلات التي اتابعها.. اتابع بضعة مسلسلات ولكني أفضل هذا المسلسل عليهم جميعا.. انه احداثه تشبه حياتنا الحقيقة فهو يتكلم عن حريم سلطان ما.. وما نحن الا حريم "المسيو" الا اننا بالنسبة له بضاعة يربح من ورائها ويحميها كذلك.. الساعة تقترب من الخامسة يجب ان أتحرك الان حتى أصل في الوقت المناسب ... يا بنات.. يا "شاهندة" سأذهب لأري امي.. ربما أبيت عندها.. سلام.. وصلت متأخرة عن ميعادي وكيف لي ان اعلم ان الطريق مزدحم الي هذا الحد.. ها هو الاستاذ "حامد" يجلس في الطاولة القصية.. يا له من رجل مهندم..

أهلا.. تأخرت.. عفوا سامحني.. السكة كانت مزدحمة تماما.. سنطلب الطعام.. حسنا سأطلب مثلك.. لا يهم.. أظن أني سأحب ما ستأكله.. استاذ "حامد" هل يضايقك ان احكي لك حكايتي.. ربما لا يكون لديك رغبة في سماعها.. ولكني أحب أن اتكلم معك واحكي لك.. هذا رد مهذب منك جدًا.. أري أنك لم تمل حديثي فأرجوك إذا احسست بالملل في أي وقت ان تخبرني..

لقد ولدت وتربيت في بيت من بيوت الحي القديم.. قُبض على والدي أنا واخواتي الثلاثة في قضية للاتجار في المخدرات حُكم عليه بالسجن على إثرها عشرون سنة..  بعد مرور اقل من ستة شهور كانت امي قد حصلت على الطلاق منه..

فلاحة جاء بها من قرية مجاورة لقريته التي نزح منه الي المدينة.. لكنها كانت جميلة بحق ولم تستطع المرأة ان تحتمل غياب وزوجها فطلبت الطلاق وحصلت عليه في فترة قصيرة.. وكان لزاما ان تجد رجل ليتزوجها ولكن من يريد امرأة وورائها اربعة بنات في اعمارنا.. بالطبع ستقول انه لا يوجد من يقبل هذا الوضع ... ولكن في الحقيقة يوجد..

يوجد.. فتوح.. تاجر الخردة الذي يملك البيت الذي كنا نسكن فيه وتقريبا باقي بيوت الحارة القديمة.. فوجئنا به يطلب من امي الزواج.. لم نكن نملك حق الرفض.. الرجل يملك الكثير من المال برغم سمعته السيئة وظنت امي انه الحل لمشاكلنا التي كانت كلها مادية في الأساس.. تزوج فتوح امي ونقلنا الي شقة جديدة اوسع.. واتخذ له وامي حجرة فيها.. واقتسمت كل اثنتان منا حجرة..

اعتدنا على زيارته للبيت مرات متقطعة اسبوعيًا ويوميا احيانا.. يدخل حاملا بعض الاكياس.. ينقد امي بعض المال ويجرها نحو غرفتهما.. تتناهي الي مسامعنا اصواتهما سويا.. يستخدم ألفاظًا برغم حياتنا في حارة شعبية لم نكن معتادات على سماعها لكنها اصبحت عادية حتى امي نفسها بدأت تستخدمها هي الأخرى..

بالتدريج بدا وجوده في الشقة الجديدة يزيد لكن ليس في كل مرة من اجل امي كان يتعمد ملامستي واخوتي بصورة سافرة لا تخطئها عين.. لم أكن أرحب بتلك الملامسات وعندما استهجنتها غضِب غَضبٌ عارم على أثره رجتني امي ان اتلافي غضبه هذا بأي طريقة.. وهل هناك طريقة سوي ان ادعه يفعل ما يحلو له..  

وكان هذا هو جواز سفره الي اجسادنا جميعا..

حتى اختي الصغيرة التي كانت في الثانية عشرة لم تنجو من لمساته الوقحة.. كان كخنزير حي.. لكنه لم يظفر سوي بي.. كنت تقريبا افتدي الاخريات من براثنه متعللة بأنهن صغيرات ولن يستطعن تلبية رغباته التي كانت في جلها تتمحور حول مداعبة قضيبه الصغير.. كما ان امي كانت تتعمد ان تخرج للسوق او غيره حينما يدخل ويلقى لها بالمال تأخذ اخوتي معها وتتركني معه لساعة او ساعتين ...

في البداية كان الموضوع كعذاب مقيم.. وكنت كلما أبدى رغبته في واحدة من اخواتي الصغار كنت أعده بما سينسيه الاطفال ويجعله لا يفكر الا في انا.. كنت احتال عليه كما احتال على الاطفال وكان ينصاع..  لا لشيء إلا لأني موهوبة في موضوع الجنس هذا كما يمكنك ان تصفني.. جعلته يستحل جميع فتحاتي بكل الاشكال وزاد هو تعلقا بي حتى انه بدا يأتيني بهدايا بصورة خاصة وصار نادرا ما ينال من أمي نفسها حتى بدأت تتوجه لي بعبارات الشكر..

يا لهذه المرأة.. أم؟! لا ليست كذلك على الإطلاق.. هي أشبه ببقرة ممن كانت ترعاهم في قريتها التي جاء بها منها أبي..  لا أستطيع ان اصفها بأنها مسكينة او غيره.. لقد كانت كحيوان في قطيع.. كل ما يهمها ان تأكل وتنام وتحت سقف ما.. اما ما نتعرض له فلم يكن بالنسبة لها سوي ضريبة ندفعها أمام تلك المميزات ولا تستحق ان تثور في وجه هذا الحقير وتطرده منذ اول مرة امتدت يده فيها الي ردف واحدة فينا..

على الرغم من ذلك كما قلت لك اعتدت تلك الممارسات.. وصرت لا انفر منها بل صرت اتصل به إذا تأخر واسأل عنه إذا غاب والمضحك في الامر انه طلب مني ان يطلق امي ويتزوجني فأفهمته ان هذا حرام فضحك كالخرتيت وهو يقول وما نفعله ليس حرام إذا.. قلت ان هذا بالقانون فدعك من هذه الافكار.. مرت علينا ست سنوات على هذا الحال.. تحسن حالتنا المادية كثيرا.. انتظمت اخواتي في الدراسة واستطعت ان اقتطع مما يعطيني فتوح بعض المال لنفسي ادخرته ليوم اسود وقد كان..

فقد قُتِل فتوح عصر يوم كان جالسا فيه امام وكالته.. قالوا ان من قتله رجل ممن افتري عليه سابقا وقالوا انه سارق وغير ذلك المهم ان علاقتنا به انتهت في ذلك اليوم وكانت البنات مازلن يدرسن.. توجهت مباشرة لأبحث عن عمل واعطيت امي نصف ما ادخرت تقريبا تقتات به حتى أجد عملا.. وتعلمت بالطريقة الصعبة للأسف ان الناس لا تريديني عاملة او تريد تعبي واجتهادي.. كما تعلمت بعدها وبسرعة انه لا عمل لي سوي البيع..

نعم بضاعتي التي املكها رغمًا عني.. كما تري فانا أملك هذا الجسم منذ كنت في الرابعة عشر.. لم اكتسب وزنا سوي ما يزيد مؤهلاتي.. لطالما كانت عجيزتي محط انظار الرجال في الحارة او في المنطقة الجديدة الذي اسكن فيها وكانت مغناطيس فتوح كما اعتاد ان يذكرها.. وبعد قليل من الوقت صار لي قاعدة من الزبائن..

لم اكن اعرف ان الامر منظم وأنه لابد من وجود قواد يشغلني ويحميني عرفت تلك المعلومات عندما وقعت في المشاكل واقتدت للحجز لأول مرة في حياتي.. هناك استباحني سكان القسم ورواده ولم ينقذني الا أنى تعرفت علي "شاهندة" التي رات في مؤهلاتي ما يمكن ان يعجب "المسيو".. كانت قد اقتيدت للقسم من كازينو مشهور تمت عليه حملة مفاجئة وعندما جاء مندوب "المسيو" ليخرجها بدون حتى ذكر اسمها في الاوراق الرسمية اسرت له شيئا ما وبعد عدة ساعات كان نفس الرجل في القسم يخرجني.. تعرفت عندها على "المسيو".. ليس مجرد رجل.. انه اخطبوط.. يعرف كل أحد.. يملك المدينة حرفيا..

له علاقات بكل الاشخاص المهمين.. ونحن جيشه الصغير.. الذي قلما يفشل في ان يحقق نتائجه المرجوة.. أطلت عليك في الكلام اعذرني.. كما قلت لك لا عرف لماذا ارتحت لك هكذا.. سأنصرف الآن.. سأتصل بك لاحقًا إذا اردت.. ليس عندك مانع.. يا لك من رجل مهذب.. لقد استمتعت بوقتي جدًا.. لا أستطيع ان ادعك توصلني فالبنات يعرفون أنى سأذهب لأمي.. شكرا لك على التاكسي.. مع السلامة.

شارع الأشجار يا أسطي لو سمحت.. ما الذي يحدث لي.. لماذا احببت جلسة هذا الرجل الي هذا الحد.. وكيف لم تظهر عليه أي علامة على الاستهجان مما حكيت له.. ان البنات نفسهم لم احكي لواحدة منهم اي تفاصيل عن حياتي حتى "شاهندة" نفسها لم تسال ولم احكي.. كل منا عندها ما يكفيها.. غريبة أنى متشوقة للقاءة وقد تركته حالا.. غريب هو امر تلك المشاعر.. كأني اعيش تفاصيل اليوم مرة أخري في عقلي.. يجب أن انام الآن فلدينا في الغد اجتماع مع "المسيو" ويجب أن اكون مستفيقة حاضرة الذهن حتى لا يغضب. لأطفئ الضوء الآن وغدا يوم اخر..

صباح الخير يا بنات.. متي سنتحرك لاجتماع "المسيو".. نعم هذا هو أول اجتماع لي.. سيرسل سيارة.. هذا رائع.. هل هي الليموزين الكبيرة.. أظنها تسعنا جميعًا في نفس الوقت.. أحب ركوب تلك الليموزين فهي فخمة للغاية وبها ثلاجة مشروبات غازية ايضًا.. هيا هيا.. لابد ان السيارة منتظرة بالأسفل... يبدو ان هذا صوت رسالة تصل على هاتفك يا "شاهندة"..  تقولين انه هاتفي انا.. ماذا.. اعذريني فأنا لم أعتاد على صوت الهاتف الجديد بعد.. الرسالة من "حامد".. هذا يوم سعيد.. سأرد عليه بدون أن تلاحظ البنات شيئًا.. نعم يا "شاهندة" بالفعل هو هاتفي انا انها رسالة من اختي الصغيرة.. تريد ان تراني في اجازتها الاسبوعية فهي تدرس في العاصمة كما ولابد أنى اخبرتك من قبل.. لم اخبرك.. حسنًا لقد كان مجموعها كبيرًا في الثانوية يمكنها من الالتحاق بكلية الهندسة في مدينتا لكنها ارادت ان تلتحق بكلية الطب فاضطرت لأن تلتحق بها في العاصمة.. نعم انها مصروفات كثيرة ولكن الموضوع يستحق.. ان تكون واحدة من اخواتي طبيبة.. سيكون هذا اسعد يوم في حياتي.. ربما امر على البيت في المساء..

مرت الساعات بسرعة كالعادة مع البنات وها نحن انتهينا من ميعاد "المسيو".. الان لأهاتف حامد كما ارسلت له في رسالتي القصيرة.. استاذ "حامد".. أهلا.. نعم يسعدني أن أقابلك.. انا في شارع السوق الكبير.. مطعم الركن.. اعرفه طبعا.. ستوافيني الي هناك... حسنا.. انا في انتظارك.. مع السلامة

***