في
المساء وبينما النزلاء في صالة الجلوس يشاهدون مباراة ما في التلفاز مررت بهم
متجهًا إلي الخارج.. سألتني اوجيني إن كنت سأنضم لهم للعشاء فهززت رأسي نفيًا وأنا
أشير إلى بطني الممتلئ من الغداء الفاخر الذي تناولته قبل قليل.. توجهت إلى المدخل
لم يفتني أن ألاحظ نظرة لولا إلي أوجيني تستنكر ندائها لي وكلامها معي بتلك
البساطة فتجاهلتها وخرجت.. قادتني قدمي لمقهى شعبي كبير فى نفس شارع البنسيون على
بعد بضع بنايات منه.. جلست أحتسي فنجان من القهوة وأنا مازلت أصارع ذاكرتي
واعتصرها لأعرف ماذا أفعل هنا ولماذا انا هنا حتى الآن.. لفت انتباهي أثناء جلستي
مجموعة من الرجال يجلس بينهم رجل ضخم الجثة يرتدي ملابس تبدو فاخرة لكنها غير
متناسقة يميزه جنزير كبير من الذهب يلبسه كسوار فى يده وشعرًا كثيفًا بخرج من
قميصه وينمو على رقبته وقد بدا من جلسته انه كبير الجالسين فقد كانوا متوجهين إليه
متسمعين لكلامه.. حولت نظري عنه شاردًا وبينما انا غارق فى أفكاري فوجئت بذات
الرجل ضخم الجثة يسحب كرسيًا ويقترب من طاولتي ويجلس إليها.. نظرت له نظرة مستنكرة
وأنا أتأمله عن قرب فأجاب نظرتي في لزوجة
-
محسوبك شمندي.. عمر شمندي ... سمسار ومقاول..
قلت
له بصوت بدا ممتعضًا رغمًا عني..
-
أهلا أستاذ عمر أتفضل ولو انها متأخرة قليلًأ ..
ضحك
كاشفًا عن اسنان بيضاء وإن لم يفتني أن أُلاحظ السن الذهبي الذي بدا من زاوية فمه..
وأضاف..
-
لا تهتم يا أستاذ..
نطقها
بإضافة واو بعد الألف وزاي بدلا من الذال.. فازداد امتعاضي وكدت أن اشيح بوجهي عنه
فعاجلني..
-
لا تؤاخذني فقد رأك أحد رجالي اليوم مع السيدة أوجينى في مصلحة الضرائب وسمعك وانت
تقول إنك المحاسب المالي الخاص بها.. عفوًا فأنا لم أرك من قبل في السويس وأنا سويسي
أبًا عن جد.. فكيف وكلتك بان تكون محاسبها؟؟
هنا
كان وقت الدهشة قد انتهي ليحل محله وقت الغضب.. نظرت له نظرة متفحصة وانا أقول..
-
بداية يا أخ عمر أظن أن ما سألت عنه ليس من اختصاصك ...
نظر
لي مندهشًا قائلا..
-
لا لا يا أستاذ.. لا ترتكب هذا الخطأ الفظيع.. انت لا تعرف من أنا.. أنك تتحدث إلى
أكبر مقاول في السويس والجميع هنا يعرف من هو عمر شمندي.. وان كنت جلست اليك
لأتحدث معك فهذا من باب التنازل والتباسط مع الغرباء وإلا فإن دبيب النمل فى هذه
المدينة يصلني إلى مخدعي إن أردت...
نظرت
له في تحد وقلت مبتسمًا ابتسامة صفراء..
-
ومن يهمسون لك بدبيب النمل لم يستطيعوا أن يعرفوا من أنا وماذا أفعل هنا.. يبدو أنك
محتاج لان تراجع طبيب أنف وأذن عاجلًا..
بدأ
الغضب يظهر على ملامحه وهو يقول
-
فليكن.. أنت تريدها بهذه الطريقة..
قاطعته
منفعلا..
-
ما الذي اريده ايها المتطفل.. أنت من تعدي على خصوصيتي وجلست في مجلسي بدون إذني والان
تحدثني في امر شخصي لم لا سمح لك بالحديث فيه ..
بدا
عليه الحرج وقد التفت كل رواد المقهى لحديثنا الشائق بالنسبة لهم فقال في سرعة..
-
لا تقلق يا استاذ سيكون بيننا كلام في وقت اخر..
أجبته
بسرعة
-
لست قلقًا ولا اتمني ان يحدث هذا عاجلا..
ابتعد
بكرسيه عن مجلسي وان ظل يحدجنى بنظرات جانبية بادلتها بنظرات مشمئزة حتى انتهيت من
قهوتي وقمت متجهًا للبنسيون.. في الطريق الساكن وبعد عدة مبان رأيت شابين يستندان على
سيارة متوقفة.. ألقي أحدهم سيجارته بمجرد أن رأني.. واقتربا مني في تؤدة.. قلت
محدثًا نفسي.. يا له من تكرار ممل.. والآن سيطلب مني أحدهم قداحة ويعاجلني الأخر
بلكمة على قفاي.. ابتسمت رغمًا عني واحدهم يسألني معك قداحة يا أستاذ.. يا لتلك
الأفلام العربية القديمة التي رسمت وعي هذا الشعب حتى بلطجيته.. اتخذت وضعًا
دفاعيًا و أنا أرثي للمسكينين اللذان لم يخطر ببالهما أن ضحيتهم بطلًا للجامعة
مرتان علي التوالي في قتال الأيدي العارية وصاحب فضية البحر المتوسط لنفس الفئة
انزلقت أرضًا متفاديًا القبضة المتجهة نحو قذالتي وتحركت قدمي بركلة محكمة للشاب
الذي طلب القداحة فسقط أرضا ممسكًا بمكمنه وهو يعوي ككلب جريح وقبض الثاني على
ذراعي فدرت نصف دورة سريعة جعلته أسفل مني فالتف ذراعه بحركة دائرية حتى سمعت صوت
طقة واضحة تعني أن هذا الشاب سيحتاج ثلاثة شهور من الجبس كحد أدني ليتعافى.. أمسكت
بملابس الشاب الأول وهو يتقيًا فأصابني بعضًا من القيء .. فقلت باشمئزاز:
-
ماذا تريدون؟.. من ارسلكم لضربي؟!..
نظر
لي في غِل وهو يقول في صوت اشبه بالعواء
-
ليس هناك أحد بعيد عن قبضة شمندي..
أرخيت
يدي عن ملابسه وقد توقعت هذه الاجابة فتركته يأخذ زميلة المتألم ويتوكأن على
بعضهما واكملت طريقي للبنسيون.. والآف الاسئلة تعتمل في ذهني.. واظن أن اجابتها أو
على الأقل توضيح هذا الموقف سيكون عند أوجيني .. كان الوقت قد تأخر ولم أجد أحد في
البهو إلا عم شعبان غافيًا كما اعتدت ان أراه منذ قدمت الى هذا المكان فدخلت حجرتي
وابدلت ثيابي التي كانت رائحتها لا تطاق بسبب قيء هذا المغفل.. تمددت على سريري
مكررا بهدوء الصباح رباح..
على
صوت حركة امام بابي بدت انها طرقة خافتة انتبهت من نومي فوجدت الساعة تشير للثالثة
فجرًا انتفضت على عجل ابحث بعيني في الغرفة عما يصلح ليكون سلاحًا للدفاع عن النفس
إذا كان المعتدي لديه سلاح ناري .. رأيت المزهرية الزجاجية التي بدت ممتازة للدور
الذي أرسمه لها وبدون أدني صوت تحركت صوب الباب والتصقت بالحائط جواره وانتظرت فينة
حتى رأيت المقبض يتحرك.. كنت أعلم ان المتسلل سيستطيع فتح الباب فأنا لم أغلق باب
حجرتي بالمزلاج منذ نزلت على هذا المكان.. مددت يدي فسحبت المتسلل وانا استعد
لأعاجله بضربة محكمة من المزهرية على أم رأسه.. وجدت عينان مذعورتان ميزتهما فورًا
.. هذه هي الفتاة العشرينية التي كانت تجلس معنا على مائدة العشاء في الأمس.. لم
أرخِ قبضتي على يديها وجررتها جرا إلي داخل الغرفة.. وجدت بيديها جهاز محمول انتزعته
منها وأجلستها على واحد من الكرسيين الموجودان بالحجرة.. كانت مذعورة وطفرت دمعات
من عينيها جعلت منظرها بائسًا للغاية لكن مزاجي العام لم يسمح لي بالتعاطف معها
بحال من الأحوال.. محاولا خفض صوتي قدر الإمكان سألتها في جدية..
-
من انت؟؟ ولماذا تتسللين إلى حجرتي..
نظرت
لي متوسلة و هي ترد في سرعة..
-
أستاذ حجازي أرجوك.. أرجوك.. ليس هناك داعِ للفضائح.. سأخبرك بكل شىء..
رغمًا
عني ابتسمت في داخلي.. فهذا أقصر استجواب في التاريخ.. وبينما تهتز الفتاة مرتعشة..
قالت..
-
أنا نجلاء نزيلة معكم هنا فى البنسيون.. أما لماذا تسللت إلي حجرتك فببساطة لأتأكد
أنك في حال طيبة ..
هززت
رأسي فى عدم فهم وصحت..
-
ماذا تقصدين؟..
-
أرجوك اخفض صوتك.. لقد علمت ان هناك من تعرض لك الليلة وخفت أن يكون قد مسك ضرر قد
يؤثر على حياتك..
صحت
رغمًا عني
-
وما أدراكِ أنى قد تعرضت لمن يهاجمني الليلة..
أجابت
فى خضوع..
-
لأن واحد ممن هاجموك هو اخي.. وقد أخبرني منذ عدة ساعات ان شمندي قد وكله هو وصديق
له بأن يتولوا امرك لأنك تطاولت عليه او شىء من هذا القبيل..
قلت
ومازالت الدهشة تعتلي صوتي:
-
إذا فقد كان ينوي هذا المغفلان قتلي..
قاطعتني
بسرعة
-
لا لا أظن ذلك.. كل ما أراداه فعلا هو تلقينك درسًا لتتأدب مع شمندي في المرات
القادمة..
كررت
عبارتها مندهشًا..
-
المرات القادمة..
ردت
بتنهيدة..
-
أنت لا تعرف شيئًا أستاذ حجازي.. شمندي أخطبوط ويبدو أند قد وطأت ذراعًا له.. فلن
يفلتك حتى تنتهي حاجته منك..
زفرت
وانا ارجع رأسي للوراء..
-
ما هذا الموقف الذي وضعت نفسي فيه..
ثم
سألتها:
-
وانت؟؟.. ما علاقتك بهذا كله؟
انحدرت
على وجنتها دمعة وهي تقول..
-
كما اخبرتك فأخي يعمل واحدًا من بلطجية شمندي وكل ما أردته أن اطمئن عليك..
لم
اصدقها هذه المرة وصحت بها..
-
لا هذا ليس كل شيء..
توسلت
إلى..
-
اخفض صوتك ارجوك..
عاودت
السؤال بإلحاح
-
لماذا تسكنين البنسيون إذا كنتي من اهل السويس وما علاقتك بهذا الشمندي..
أسقط
في يديها فقالت في استسلام..
-
وانا ايضا أعمل لدي شمندي..
بُهِت..
فجلست على المقعد المقابل لها وانا أحاول تحليل وفهم كلماتها..
-
إذا فانت جاسوسته في البنسيون..
أومأت
في استسلام.. ثم قالت
-
أرجوك يا سيد حجازي انا أمراءه ضعيفة وكل ما افعله هو تنفيذ أوامر هذا الوحش الذي
زج بزوجي في السجن ليقتله واحد من بلطجيته هناك وما عليّ إلا الرضا والاستسلام
لأرادته...
اعتملت
كلماتها في رأسي فقلت لها..
-
على كل الاحوال لا أدري من هو أخوكِ ولكن الشابان حالتهما حرجة حاليا وأظن ان
أحدهما مصاب بكسر في ذراعه..
نظرت
لي مندهشة.. قلت ببراءة..
-
لقد كنت أدافع عن نفسي..
ابتسمت
رغمًا عنها وقالت..
-
يبدو ان شمندي كان محقًا في أن يضعك في رأسه سيد حجازي..
قلت
لها:
-
تعترفين بذلك وربما اكون كسرت ذراع أخاك..
-
واود لو كسرت رجله أيضًا هذا المنحرف.. هو الذي عرَّف زوجي على شمندي واقنعه بقبول
قضية سقوط العقار محل شمندي مقابل الملاليم التي دفعها له وعدًا في ان يعطيه
الملايين عند خروجه من السجن.. وها أنا ذا أرملة مفلسة في الخامسة والعشرين بسبب
هذا العاق..
أشفقت
عليها رغمًا عني.. ثم قالت متوسلة:
-
والأن ماذا تريد ان تعمل معي..
أشرت
لها:
-
لا شىء هاك هاتفك المحمول.. تفضلي إلي غرفتك..
قالت
باندهاش:
-
بهذه البساطة..
-
نعم بهذه البساطة فأظنك ضحية هذا الرجل كزوجك تمامًا ويؤسفني بحق ما حدث مع اخيك..
ردت
ممتنة:
-
أشكرك يا سيد حجازي أنت رجل شهم واتمنى الا يصيبك مكروه ...
قلت
بصوت خافت مبتسمًا لها وانا اقودها لباب الغرفة
-
وهذا ايضا في علم الغيب طالما اسكن في هذا البنسيون ..
نظرت
لى محيية ولم تخفي عني نظرات أطلت من عينيها فيها بعض الامتنان والكثير من الاعجاب..
لكن الموقف لم يكن يسمح بكلمة اخري.. أغلقت الباب خلفها بمفتاحه هذه المرة واتجهت
مباشرة لسريري واستسلمت للنوم ...
فى
الصباح تناولت افطاري مع الجميع ولم ألتفت ناحية نجلاء متعمدًا محاولا ألا يبدو
على أي علامة باني أعرفها وبعد الإفطار طرقت أوجينى الباب وسمحت لها بالدخول فدخلت
ثم قالت في لهجة بدت متجهمة ..
-
محمد لا ادري كيف ابدأ الكلام معك ولكن هناك موضوع هام جدًا أريد أن أحدثك فيه..
-
أنا أيضًا أوجيني اردت التحدث إليكِ..
-
تفضل ما الموضوع؟ ..
-
بل قولي انتِ ما جئت من أجله أولا..
نظرت
إلى الارض وأطرقت دقيقة ثم قالت..
-
لقد رأيت نجلاء خارجة من غرفتك اللية الماضية وان كان هذا امر لا يعنيني شخصيًا
ولكني لا أفهم .. متي حدث أي شىء بينكما.. متي؟ ؟!..
أحسست
انها متأثرة للغاية.. فأجبتها بسرعة
-
هل هذا هو الموضوع المهم جدًا الذي تودين ان تحدثيني فيه..
نظرت
إليَّ ولمحت في عينيها أثر لدموع.. فقلت بسرعة..
-
وهذا ما كنت سأسألك عنه أنا أيضًا..
نظرت
إلي مندهشة وقالت:
- ماذا تعني..
-
جينا ربما أكون أعرفك منذ بضعة أيام فقط وهي فترة قصيرة جدًا.. لكني أحس ألفة
غريبة في هذا المكان وارتاح لكِ.. واظن ان هناك الكثير مما يجب أن اعرفه حتى أستطيع
استيعاب ماذا يجري هنا..
نظرت
إلي مستفهمة فأكملت..
-
نعم نجلاء كانت في غرفتي البارحة ولكن ليس من اجل ما تظنينه.. فقد قابلت عمر شمندي
أمس..
شهقت
شهقة خافتة وأنا استطرد
-
وقابلت اثنان من رجاله ايضا على ناصية الشارع.. اظن أحدهما يرقد في المشفى حاليًا..
نظرت
نحوي بدهشة وهي تقول..
-
ما.. ما الذي.. كيف؟؟..
رددت
بسرعة:
-
في المقهى.. ويبدو ان هذا المغفل قد رأنا مصلحة الضرائب أمس..
انهارت
على الكرسي وهي تقول
-
أعرف ان هذا الرجل لا ييأس.. ماذا يريد منا هذا الوحش بعد كل ما أخذ؟!.. ولماذا
يصر على ان لا يتركنا في حالنا!!..
ثم
اجهشت بالبكاء.. لم أفهم ماذا تعني بكلماتها ولكني اقتربت منها ونزلت على ركبتي ثم
ربت على كتفها فدفنت رأسها في صدري وهي تجهش بالبكاء.. خرجت الكلمات منها متشابكة
لدرجة اني لم استطع أن افهمها.. ربت على كتفها وطلبت منها أن تهدأ حتى استطيع ان أتبين
كلماتها.. قالت:
-
انت لا تدري كم المصائب التي تأتينا من وراء هذا الرجل منذ طلاقه من لولا
هنا
كان دوري لاندهش فسقط فكي السفلي دهشة وهي تستطرد..
-
نعم لقد تزوجته لولا سنتين كاملتين وهي بعد مازالت في التاسعة عشرة كان ضغطه عليّ
قد بلغ منتهاه ولولا الطائشة انساقت وراء ثروته الكبيرة ومعاملته معها فوافقت برغم
كل تحذيراتي لها .. وبالرغم انه يحبها بشدة الا أنه هذا المغفل فشل في الاحتفاظ
بها .. فقد كان يشك فيها بجنون.. ويحملها مسؤولية جمالها وأنوثتها.. وضعها في سجن
بيته حرفيا فلا زيارات ولا مكالمات ولا أي شيء.. وحتى بعد ان وضعت آدم..
قاطعتها
-
وهو ابو آدم أيضا؟!
-
نعم هو أبوه ولله الحمد لم يرث الولد منه أي شىء سوى طبيعته التجارية ... وبشق
الأنفس حصلنا منه على الطلاق.. بعدما تنازلت له لولا عن كل شيء.. وعادت لتعيش معي في
البنسيون.. ومنذ ذلك الحين وهو لا يكف عن مضايقتنا بكل الطرق والوسائل فتارة يكلف
بلطجيته بترهيبنا.. وتارة يؤلب علينا رجال الضرائب وغيرهم من مرتشينه الذين يغدق
عليهم من ماله.. وغيرها الكثير من المصائب التي لا أستطيع أن أذكرها لك..
أغمضت
عينيها متألمة.. فلم أدرِ ماذا أقول لكنى رغمًا عني قلت لها:
-
لا تقلقي أوجيني.. سأساعدك لتتخلصي من هذا المأفون ولكن لي شرط عندك..
-
أي شىء محمد أطلب أي شىء
-
أن تصارحيني بكل شىء وأن تساعديني فى وضع خطة تساعدنا على الايقاع به..
ابتسمت
ابتسامة واهنة وهي تقول
-
أنت شهم وشجاع ايضاً ولكنك لا تعرف عمر شمندي.. أين كنت كل هذا الوقت؟
وكأنها
ضغطت على زر في رأسي.. فرأيت وكأني أحلم مشهدًا مشوشًا لنفسي أجلس في غرفة للنوم
وبجواري أمراءه ثلاثينية بملابس داخلية بنفسجية وقد أولت إليّ ظهرها وعليه وشمًا
ملونًا لفتاة شبه عارية وسط أجمة من بتلات الزهور بدا غاية في الجمال وفجأة اهتزات
الجدران ثم صوت هدير عظيم ثم بوووم ولا شىء بعدها وقفت كالمشدوه فاغرا فاهي..
فنادت عليَّ اوجيني
-
محمد محمد ماذا بك؟!..
-
لا أدري ماذا حدث.. كأني تذكرت حادثا مر بي ولا أستطيع أن اتبين متي حدث لي هذا!!
...
ردت
أوجيني
-
غريب هذا الامر فعلا..
قلت
مغيرًا دفة الحديث:
-
دعينا من ذلك الأن.. إن نجلاء تعمل لحساب شمندي..
أفلتت
اوجينى سبة:
-
بنت الساقطة.. كنت اشك في أمرها تلك العاهرة..
عاجلتها
لا تقسي عليها أوجيني فالمرأة حكاية مع شمندي أيضًا فقد سجن زوجها وقتله في سجنة
ليتنصل منه وهي تعمل لديه مضطرة خوفًا من بطشه..
هدأت
قليلا وقالت
-
وانت ماذا تري..
-
دعيني ارتب الأمر ونجلاء ستساعدني.. ولعل الأمور تؤول إلي الخير..
ابتسمت
وهي تقول لن اقلق وانت بجواري..
ابتسمت
رغمًا عني وربت علي خدها وهي تخرج من الغرفة...
بعد الظهر وبينما أنا جالس في المطعم أتناول
طعام الغداء جاءت لولا تمشي نحو طاولتي.. يالآلهة الجمال التي تحسد هذه المرأة علي
جسدها الأفروديتي وملامحها الإيزيسية .. لم أستطع أن أخفي نظرة الأعجاب التي ظهرت
على ملامحي.. ولكن واحدة بجمال لولا أظن أنها اعتادت على نظرات المعجبين في كل
مكان وزمان.. نظرت لها وأنا جالس مستفهمًا.. فقالت في تحفظ..
-
ممكن أجلس..
هززت
راسي وانا اتناول طعامي بمعنى تفضلي.. جلست على الكرسي المقابل لي وهي تعقد
ذراعاها تحت صدرها.. بدأت الكلام قائلة:
-
أستاذ محمد أظن أني مدينة لك باعتذار..
قلت
ومازال الطعام في فمي:
-
اعتذار لأي سبب..
-
عن الموقف المزعج الذي حدث لك أمس بسببنا.. ولكنى أظن أنك سبب أيضًا فكل هذا بسبب إصرارك
على الخروج مع ماما إلي المصلحة.. وقد حذرتك قبلها لكنك لم تستمع إلي..
قلت
لها مستنكرًا:
-
هل تُسَمِين هذا اعتذارا..
بدأت
ملامحها تتجهم فكأنها قطة عبست فازدادت فتنة.. وقالت
-
أنت لا تفهم الموضوع أكبر بكثير مما تتصور..
-
في الواقع انا لا أتصور شيئًا وسأكون ممتنًا لو وضحت لي حجم هذه المشكلة
ردت بسرعة:
-
أظنني اعتذرت لك وهذا يكفي.. بعد إذنك..
ورحلت.. لا لم أركز مع أسلوبها الجاف ولا طريقتها الغريبة.. ركزت مع سحرها وهي تغادر المكان كأغواء يخطر على قدمين.. حملت كوبًا من الشاي واتجهت إلي غرفتي.. جلست فى الشرفة أرتشف الشاي الدافئ ومن شرفة مجاورة رأيت نجلاء تشير لي.. قرأت على شفتيها أن لديها ما تقوله لي.. وأنها ستأتي في المساء.. فأومات لها.. وبينما أنا استند إلى جدار الشرفة تكرر المشهد الذي رأيته سابقًا.. وميزت هذه المرة مرآة موضوعة بكامل جدار الغرفة وبينما هي تتكسر مع الجدران.. رأيت ملامحي فيها وهي تتشقق والمرأة تصرخ في هلع ثم اختفي المشهد فجأة وأصابني بعض الدوار فاستندت إلى سور الشرفة ثم جلست وبينما أحاول أن استرجع ملامحي في المرآة من هذه الرؤيا السريعة تذكرت شيئًا هامًا جدا.. الملامح التي رأيتها لم تكن لي.. كانت أشبه بـــ ... ولكن هذا مستحيل.. ملامحي كانت هي ملامح عمر شمندي نفسه..