Saturday, June 10, 2023

أوجيني - رواية فى حلقات مسلسة (الحلقة السادسة)

قالت هذه العبارة ومدت يدها تمسك بيدي وهنا داهمتني رؤيا اخري.. رأيت نفسي في جسد شمندي اتحدث في الهاتف صارخًا في امرأة ما وتبينت الكلمات التي كنت اقولها بوضوح.. ستأتين بإرادتك او رغمًا عنك انت تعرفين أني أستطيع ان أُحيل حياتكم جحيمًا.. وفجًاءة داهمني صداع عنيف وانقطع الصوت في خضم الضوضاء افقت بعد ثوان ورأسي على رجلي لولا وهي تدلك جبهتي.. وبمجرد أن فتحت عيني طفرت دمعة من عينيها وهي تقول

- حمدا لله أنك بخير يا ألهي لقد أخفتني للغاية..

ابتسمت لها مطمئنا وقلت فى وهن

- لو كنت أعرف أن اصابتي بتلك النوبة ستجعلني قريب منك هكذا كنت فعلتها منذ زمن..

ابتسمت بدلال وهي تزيحني برقة من فوق رجليها فاقتربت منها أكثر والتففت على جانبي مغمضا عيني معلنا رغبتي في النوم في الجنة.. ضحكت ضحكة قصيرة مفرحة وقالت..

- محمد لنتكلم جديًا قليلا

قاطعتها قائلا..

- قبل الكلام عن الجدية وغيرها لولا هل تشعرين نحوي بما اشعر به نحوك..

ابتسمت وهي تتعجب من سطحية سؤالي وقالت

- اعذرني إن وصفت سؤالك هذا بالغباء محمد أين انا الان؟؟ وماذا افعل؟؟ وهل تظن أني أكون هكذا مع كل عابر سبيل يدخل البنسيون..

أُسقط في يدي فقد عاينت بنفسي كم هي صارمة وما تفعله من قربها مني لابد انه له دلالة واحدة فقط.. حكت لي لولا ما كانت قد حكته أوجيني عن زواجها من شمندي لم أخبرها بما حدث بيني وبين أوجيني فلا اريدها أن تبتعد عني ولو للحظة واحدة وربما تتغير مشاعرها أن علمت ما حدث بيني وبين أوجيني سابقًا.. حين حل المساء جلسنا نشاهد التلفاز سويا وقد اراحت خدها على رجلي.. ثم التفتت فصار وجهها نحوي وهي تقول..

- أعرف أني بالنسبة لك مغامرة لكني لا أستطيع أن أمنع نفسي من أن أخوضها وأعرف أنك سترحل ككل عابري السبيل لكن هناك ما يدفعني لـ...

لم امهلها لتكمل جملتها فانحنيت مازجًا شفتي بشفتها وعندما انتهت قبلتنا الاولي قلت مفكرا..

- اتعرفين أني أدفع عمري مقابل أن اقبلك مرة أخري..

ردت ببداهة سريعة..

- وأنا اشتريت..

وقفزت لتقابلني وجها لوجه وغبنا في قبلة طويلة وعندما ابتعدت شفتانا كنت أحتضنها حتى لتكاد تمتزج بجسدي قضينا ما يقرب من الساعة في جلستنا تلك بعدها قالت

- إن الوقت تأخر وأنا سأخلد للنوم..

أجبتها ضاحكًا

اعذريني إن مشيت وانا نائم لأستلقي بجوارك..

لم تضحك وقالت..

- محمد أنا اثق فيك ثقة عمياء..

أحسست بالجد فى نبرتها فأجبتها بدون تفكير..

وأنا احميك بروحي لوليتي..

أعجبها الاسم فابتسمت ثم استلقت على السرير وسحبت الغطاء الرقيق.. ظللت اراقبها ساعة أو يزيد ثم غلبني النوم فنمت.. في الصباح وبعد أن ارتدت ملابسها وارتديت ملابسي تذكرت رؤياي القصيرة وقلت لها مازحًا..

- لولا عندي سؤال غير مناسب!!

ردت مباشرة..

- لا تسأله إذًا..  

ابتسمت وقلت لها

- أن هناك أكثر من رؤيا قد داهمتني من قبل كما حدث بالأمس..

بدت مهتمة فقلت..

- إنها تحدث منذ عدت إلى السويس وهي عن حادثة حدثت لي عندما انهار عقار في السويس منذ سنة تقريبا..

اتسعت عينها في دهشة فسألتها..

- هل لديك قميص نوم قصير بنفسجي اللون؟!

نظرت لي في عتاب قائلة..

- إذاً فالرؤية عن النساء.. حسنًا لتعلم أن كل النساء تقريبًا لديهم قميص نوم بنفسجي اللون..

قلت إن المرأة التي كانت مع شمندي في الرؤيا كانت ترتدي قميص نوم بنفسجي قصير.. قالت بغير اكتراث

- هذا الخنزير!! إن نساء العالم جميعًا لا يكفونه..

هنا خطر ببالي ان اسألها فقلت

- هل لديك وشمًا بين كتفيك؟!!

ترنحت فجأة فكادت تسقط لولا ان التقطها بين يدي هاتفا لولا ماذا بك يا جميلتي؟!

نظرت نحوي ومازال الذهول يلف نظراتها قالت واهنه..

- ما هو شكل الوشم الذي تقصده؟!..

رددت بسرعة..

- إن الذكري مشوشة ولكنه يبدو وكأنه لفتاة عارية بين بتلات زهر ملونة

امتقع وجهها الجميل حتى كساه لون أصفر فخفت أن يصيبها الاغماء فهتفت

- أرجوك لولا قولي لي ماذا يحدث..

خرج صوتها واهنا وهي تسألني

- هل كانت المرأة في رؤياك مع شمندي على سريره..

- نعم كرجل وامرأة في وقت حميم..

انفجرت فجأة في البكاء واحتاج الأمر إلى ربع الساعة حتى تتماسك.. قلت مستغربًا

- كل هذا من أجل شمندي..

نظرت لي معاتبة وهي تقول

- هل تعرف من هي المرأة التي كانت بين أحضان شمندي في رؤياك!!.. انها.. أنها.. اوجيني..

نطقتها وانهارت باكية وتركتني لذهول لم يدم إلا للحظات ثم تذكرت..

- نجلاء يا إلهي نجلاء..

هتفت..

- ما ماذا؟! تقول..

صحت..

- نجلاء سوف تذهب لشمندي لتنفيذ الخطة اليوم وأنا قد أخبرت أوجيني بذلك.. يا إلهي نجلاء..

هاتفت نجلاء في سرعة فوجدت هاتفها مغلقًا حاولت عدة مرات ولا نتيجة أصابني القنوط وانا اردد..

- ماذا فعلت.. ماذا فعلت.. يا للمسكينة.. هيا بنا لولا ولنري ماذا سنفعل في هذه المصيبة.. اتمني ان تكون كل تلك تخريفات واضغاث احلام هيا بنا وفى السويس يكون لنا شأن أخر..

نبهتني بأن أتأخر دقائق ولا انزل خلفها مباشرة وأنها ستصعد للدور الاخير ثم تنزل بعد دقائق.. قلت إني سأنزل مباشرة ويمكنها أن تلحق بي بالقطار.. نزلت للاستقبال دفعت حساب الوجبات وسلمت المفاتيح ثم اسرعت لموقف السيارات كانت هناك سيارة متوقفة لم يكتمل ركابها بعد أشرت للسائق أن يتحرك وسأتحمل باقي التكلفة وبينما بدا الركاب الثرثرة الملعونة كنت احاول الاتصال بهاتف نجلاء بلا جدوي وصلنا السويس بعد ساعتين تحركت من فوري نحو البنسيون وجدت أوجينى في الاستقبال اتجهت وبدون مقدمات نحو غرفة نجلاء وجدتها خالية عدت ونظرت لأوجيني نظرة عتاب ولم تفاجئني دموعها التي اخذت تنهمر ببطيء من مقلتيها توجهت إلى غرفتي وأنا العنها بهمس غير مسموع حتى لا ينتبه بقية نزلاء البنسيون بعد دقيقة فتحت الباب ودخلت توجهت نحوها والشرر يتطاير من عيني ..

- نجلاء ماذا سيحدث لنجلاء يا أوجيني..

- محمد ارجوك انت تعرف انه رغمًا عني..

- ونومك مع شمندي أيضًا رغمًا عنك..

- ماذا كيف عرفت يا إلهي..

- أجيبي أولا نجلاء هل وشيت بها ايتها الخائنة..

صاحت:

- أرجوك محمد لو لم أفعل واكتشفها كان سيدمر حياتي

لم اتمالك نفسي ولطمتها على وجهها فسقطت باكية على سريري وهي ترجوني - محمد سامحني كنت أحمي لولا وآدم.. هذا الحيوان شمندي قد أخبرني أنه سيخطف آدم من لولا كان سيحيل حياتها جحيما

عاجلتها قائلا ويكون الحل هو أن تعاشري من كان زوج ابنتك ايتها الساقطة.. هتفت باكية:

- أرجوك لا تفعل بي ذلك لم يكن أمامي حل أخر انه يعرف نقطة ضعفي وهي ابنتي ويعرف أيضا ان أوراقي في مصر مزيفة ويستطيع ان يحرمني من ابنتي وحفيدي وحياتي في لحظة واحدة  

صرخت رغما عني..

- هذا الكلب ماذا فعل بنجلاء وكيف أنقذها من براثنه..

شهقت وهي تبكي بحرقة..

- محمد دعني أُثبت لك أنني لست خائنة كما تقول سأعرف كل شىء وسأساعد نجلاء على الهرب لو كان قد أمسك بها أرجوك أعطني فرصة..

قلت محتدًا

- لا يمكنني أن أثق فيكي بعدا الآن

قالت وهي تكفكف دموعها

- سأثبت لك انني لست المرأة التي تظن..

وخرجت من الباب مسرعة نحو غرفتها.. ظللت ادور في الغرفة كالأسد الحبيس لا اعرف ماذا أفعل سمعت صوتها من الخارج وهي تقول لآدم وعم شعبان أنها ستغيب ساعتان.. تحاملت على نفسي لابقي تلك الساعتين في انتظارها لم تزيد غيبتها عن ساعة ورأيتها تدخل الردهة أسرعت إلى غرفتي بعد دقائق تبعتني ثم قالت

- لقد امسك بها ومعها الجهاز الذي سلمته لها لقد ظن انها كانت ستزرع جهاز تنصت في بيته اقنعته نجلاء بذلك وحبسها في مخزن الخشب على البر القبلي للقناة..

- حسنا هذه المعلومات تكفي..

- محمد إلى أين تذهب..

- سأفعل ما يجب على كل رجل ان يفعل.. سأحرر نجلاء حتى لو دفعت حياتي ثمنا لها..

وخرجت من البنسيون كالعاصفة.. وصلت الى المكان الذي حددت فيه أوجيني مخزن الاخشاب.. كان المكان مكشوف تمامًا وهناك على الأقل عشرة رجال حول الموقع بالإضافة إلى بناية من طابقين لا أعلم عدد من بداخلها.. قررت أن أتحرك في الليل فاليوم محاق ولن يلحظ أحد حركتي في ملابس داكنة.. عدت للسوق واشتريت بنطالا من الجينز الأسود وقميص من نفس اللون واشتريت سلاح ابيض مناسب علقته حول كاحلي واخر اخفيته بين طيات ملابسي وانتظرت حتى انتصف الليل.. تسللت في خفة إلى الموقع لم يكلفني الرجلان على المدخل سوي بضع ركلات مكتومة.. كنت بعدها اصعد درج المخزن مستعدًا للأسوأ.. ولكم كانت دهشتي عندما لم أجد سوي نجلاء البائسة ملقاة على سرير قذر وتسألت في نفسي.. أين باقي هؤلاء الأوغاد..  عندما رأتني نجلاء شهقت في رعب فنظرت إلى عينيها مباشرة فعرفتني رغم القناع تعلقت برقبتي كالمجانين وقد كان الكلام يخرج منها متعجلا فلم افهم منها حرفًا.. ربت على ظهرها ثم قلت في خفوت نجلاء أهدئي أرجوك.. بصعوبة بدأت أتبين ما تقول.. لقد احتفظ شمندي بالجهاز.. الجهاز يعمل لقد وضعته على وضع التشغيل قبل ان يمسك بي. هو لا يعرف ذلك.. الجهاز في مكتبه.. توقفت رغمًا عني وقد لاحت على شفتاي ابتسامة.. يبدو ان الأمور ليست سيئة كما تبدو.. هيا بنا تبعتني في صمت وخرجنا من المكان بسرعة.. قلت لها والآن ما العمل لا تستطيعي ببساطة ان تعودي للبنسيون ورجال شمندي في كل مكان بالسويس.. الحل الوحيد هو ان تذهبي للإسكندرية.. اعطيتها مفاتيح شقتي وخرجت بها مباشرة نحو موقف السيارات.. أخترت سائقًا توسمت فيه الرزانة واخبرته ان زوجتي يجب ان تكون في الاسكندرية حالا لحالة امها الحرجة.. كان الرجل متفهمًا فلم يستطرد في الأسئلة ونقدته أجرته مع زيادة مناسبة تشجعه على الحركة فورًا.. ودعت نجلاء وطلبت منها ان تهاتفني من البيت حالما تصل.. أمسكت ورقة العنوان فى يدها ووفرت من عينيها دموعها فودعتها وتحركت مسرعًا...

 

Monday, June 5, 2023

أوجيني - رواية فى حلقات مسلسة (الحلقة الخامسة)

وصلت البنسيون بعد الظهر.. لم أجد أوجيني عند المدخل ووجدت آدم جالسًا محلها.. فنظرت متعجبًا فقال لي آدم انهم في المطعم.. توجهت إلي غرفتي أبدلت ثيابي وخرجت نحو الشرفة لعلي اري نجلاء لأعلمها بوجود الجهاز معي.. انتظرت عدة دقائق.. وعندما لم اجدها عدت للداخل.. بعد طرقات قصيرة علي الباب دخلت اوجيني مشرقة كعادتها.. اقتربت مني في لهفة ثم احتضنتني.. فربت على ظهرها.. قلت وانا أبتسم

- إنه يوم واحد قضيته فى الإسكندرية لا يستحق كل هذا الترحيب الحار..

نظرت إلى معاتبة.. فعدت أخبرها ان لدي خطة الآن للإيقاع بشمندي هذا وانني سأبدأ تنفيذها من اليوم.. تجهمت وهي تقول

- إنها مطمئنة لوجودي ولكنها تخشي من تلك المغامرة كثيرًا..

ربت أنا أيضًا على خدها الذي ما زالت نعومته تحيرني فقالت

- هل ستخبرني بالتفاصيل أم ماذا؟!..

انطلقت اشرح لها أن نجلاء ستقوم بالحصول على مستندات مهمة من بيت شمندي وستساعدني تلك المستندات في الايقاع بهذا الرجل تمنت لنا التوفيق ثم غادرت.. تأملتها وهي ترحل.. ثم عدت للشرفة ومن حسن الحظ وجدت نجلاء واقفة في شرفتها هي ايضًا.. اشرت لها لتوافيني في المساء.. دخلت غرفتي وقمت بإعداد الجهاز الذي بدا لي بالضبط كهاتف محمول من نوع قديم.. في الليل وبعد ان خلد الجميع للنوم تسللت نجلاء إلى غرفتي بخفتها المعهودة.. كنت في انتظارها فاقتربت أمد يدي لأُسلم عليها فاقتربت مني واحتضنتني فابتسمت رغمًا عني.. وانا اقول لها

- ما بال الجميع يستقبلوني بالأحضان كأني كنت مسافرًا لشهور..

فتجهمت وهي تسألني ومن غيري احتضنك اليوم محمد بك.. أجبتها أن لا عليك ولكن خطتنا ستمضي قدمًا ولكني احتاج لشجاعتك الآن يا نوجة.. نظرت في عيني مباشرة وهي تقول

- أي شىء تطلبه مني سأنفذه ولو أدى الى موتي.. بادرتها قائلا

- لا سمح الله.. ستمر الأمور بخير ما دمنا نأخذ جانب الحذر..

شرحت لها طبيعة الجهاز وكيف يعمل كما علمني فايز ورأيت فى عينيها الحماس والفهم أخبرتها أن المدي الممكن هو عشرون مترًا على الأكثر ابتسمت ابتسامة غامضة وهي تقول

- لا تقلق فأنا اقترب من جهاز شمندي أقرب من ذلك بكثير..

حذرتها من أن يشك أحد في طبيعة الجهاز فتفهمت.. فجأة سألتني..

- هل يضايقك ان أحكي لك أمرًا أنا أعرف أنك متعب من السفر ولكني أشعر برغبة فى أن أشاركك هذا السر

هززت راسي أن لا مانع وأنها يمكن ان تحكي لى أي شىء بدون قلق امسكتني من يدي واجلستني على الكرسي الوثير وجلست على المسند وقد غاصت قدماها بجواري وهي تقول

- بعد وفاة زوجي في السجن بأربعة شهور زارني شمندي وعرض علي أن يساعدني بالمال وأن زوجي كان أحد رجاله وفي ذلك اليوم تقرب مني حاولت المراوغة لكنه كان صريحًا ووقحًا لأبعد الحدود وبعدما هدد بتشريدي وجعلي عبرة بدأ يستكشف جسدي بيديه وانا لا أستطيع رده فأنا أعلم كيف يعمل هذا الرجل وكيف يحصل على ما يريد أمضي ليلته في بيتي بعدما حصل على رغبته مرتين وترك على طاولة السفرة عند خروجه مبلغًا من المال كدت أقتل نفسي يومها لكني جبُنت.. ومن يومها صرت أعمل لديه بمهنة خادمة لرغباته.. لا تستطيع ان تتصور كم المهانة التي أشعر بها كلما اقترب مني ولا كيف أُلبي طلباته المنحرفة بمنتهي القرف وبرغم أني أبكي وأُصارحه بأني لا أطيق وجهه ولا رائحته النتنة إلا أن كل هذا لا يجعله يتورع عن أن يطلبني مرات ومرات..

طفقت نجلاء تبكي بحرقة وهي تقول فى كلمات جاهدت لأتبينها

- أرجوك لا تحكم على مما حكيت لك فأنا انسانة طيبة أُقسم بكل الاديان على هذا ولكن هذا الوحش أقوى مني أو أنا كنت ضعيفة.. لا يهم المهم أني أقدامي قد غرست في وحل الرذيلة هذا

وانهمرت دموعها سيلًا أنزَلتُها من على المسند واجلستها على رجلي وضممت جسدها الصغير لداخلي فكانت كقطة اختبأت في حضني وظللت أُهدهدُها وأربت على ظهرها حتى هدأت قليلًا.. قلت لها

- إننا لسنا آلهة يا نوجة والظروف أحيانًا تعرضنا لشتي انواع الاختبارات ونجاحنا أو رسوبنا لا يعنى أن الحياة انتهت ورفضك لما يحدث لها هو وأكبر دليل على نقائك وأن هذا الوضع سيتغير عن قريب..

كنت أشعر بدفيء جسدها وكانت مشاعر مودة تنساب من داخلي نحوها فرفعت رأسها نحوي وقبلتني قبلة طويلة أمتزج فيها رضابها بدموعها بادلتها اياها ويداي تطوق ظهرها ثم نظرت اليها قائلا

- نجلاء أنت في موقف ضعف الآن وربما تكون أفكارك مشوشة أنا ايضًا أُكن لك مشاعر قوية ولكن الآن ليس هو الوقت المناسب لهذه المشاعر..

في وهن أومأت بالإيجاب وقامت من فوق رجلي وانحنت فقبلت يدي فسحبتها مندهشًا.. قالت

- لا اعرف ما الذي دفعني لذلك ولكني شعرت برضا عندما قبلت يديك..

ربتُّ على ظهرها مشجعًا..

- لا تقلقي ستكونين بأمان ولكن أرجوكِ توخي الحذر..

- لا تقلق

ردت بسرعة وهي تتسلل من الباب عائدة لغرفتها.. وقد أخبرتني انها ستذهب لشمندي بعد يومين فقد طلبها لتوافيه في الفيلا التي يقطن فيها شرق القناة كانت أعصابي متوترة وانا أتخيل تلك الفتاة الرقيقة تتعامل مع هذا الوحش لكنها معركة ولابد فيها من بعض رباطة الجأش.. في اليوم التالي وعلى مائدة الإفطار لاحظت وجوم لولا فأخرت نفسي على الطاولة محاولًا استبيان ما في الأمر.. وقد فاجئني أن دمعة قد فرت من مقلتيها وقد بدا وجهها الفاتن أكثر فتنة فأسرعت اليها وقد خلا المكان الا منا فقلت مواسيًا

- لولا ماذا هناك هل تبكين؟

ردت بسرعة..

- كلا كلا.. ارجوك أستاذ محمد أنا آسفه لم أستطيع أن أتماسك..

وقفت أمامها متسائلا

- أرجوكِ أنت أخبريني ماذا هناك هل ضايقك أي أحد..

نظرت في وجهي فوقفت كالمسحور من قربها مني وملامحها تنومني مغناطيسيًا.. قالت في بطء من خلف قناع التظاهر بالتماسك..

هل يضايقك أن اتكلم معك إن أمكن..

إكتنفتني الصمت من الدهشة.. فقالت

- لا عليك يبدو أنك غير مهتم..

قطعت صمتي محتدًا هذا المرة..

بالطبع مهتم ماذا تقولين أرجوك تفضلي تكلمي ويمكنك أن تتكلمي معي وقتما تشائين هل هذا واضح..

ابتسمت رغمًا عنها من حدتي وقالت

- إن المكان غير مناسب وانه سيكون من الأفضل أن نتقابل في مكان بعيد عن البنسيون..

وافقتها وقد داهمتني صورة شمندي متربصًا بنا في كل مكان.. بدا أنها تقرًا أفكاري فقالت بسرعة لا تقلق طالما نجلاء في صفنا فلن يدري شمندي عنا شيًئا فهو يعتمد عليها في نقل اخبارنا.. أردت أن أسألها كيف عرفت عن نجلاء ولكني خمت أن أوجيني قد شاركتها معلوماتنا ولكن كقارئة الأفكار مرة اخري قالت في بساطة: لم أكن بحاجة لأحد ليخبرني بذلك فنجلاء من اهل السويس ما الذي يدفعها للسكن في بنسيون وبيتها متاح تعيش فيه وحيدة بعدما مات زوجها.. ولكن هذا ليس موضوعنا الآن.. إن لي زيارة لأقارب والدي في بورفؤاد كل شهر وماما تعرف ميعادها ولكن المشكلة تكمن فيك أنت فكيف ستخرج من البنسيون..

فكرت برهة ثم قلت

- سأغادر متوجهًا للإسكندرية كزيارة قصيرة ثم أُغير مساري إلى بورفؤاد ولكن ماذا أفعل هناك؟

- هناك فندق على البحر احجز غرفة هناك وسأوافيك..

كان تسارع كلام لولا يحيرني.. ولكن بدا أنها فعلا تريد ان تكاشفني بشيء.. في المساء وعلى العشاء اخبرت أوجيني متعمدًا أن يسمعني الجميع اني مغادر للإسكندرية وسأعود بعد غد وتوجهت من فوري لغرفتي وعلى جدار الشرفة بينما أحتسي فنجان القهوة أشارت لي نجلاء من شرفتها وهي تشير لقلبها فابتسمت رغمًا عني وأنا أشير إلى عيني فهمت من إشارتها أنها تؤكد عليّ زيارتها لشمندي بعد غد فهززت راسي في آسي متمنيًا لها التوفيق فى مهمتها وان تتخلص من هذا الخنزير عن قريب.. في الصباح غادرت مبكرًا ملقيًا تحياتي إلى عم شبعان المستغرق في النوم وامام الباب فوجئت بأوجيني تستقل سيارة تنتظرها خطوت للخلف في أخر لحظة قبل ان تراني متسائلًا في عقلي عن سبب خروجها في وقت مبكر كهذا وكيف لها من استئجار سيارة خاصة فارهة بهذا القدر.. تجاوزت المشهد سريعًا فلكل انسان أسراره ولكني عزمت على أن اسألها حالما أعود.. خرجت متوجهًا نحو المحطة وبعدما عبرت الرصيف للجهة المقابلة سألت عن إن كانت هناك قطارات لبورتوفيق فتطوع أحد المارة بأن يشرح لي تاريخ الانتقال من السويس إلى بورتوفيق وأشار بأن استقل سيارة تأخذني لهناك وان المسافة تستغرق ساعة ونصف بالسيارة بدلا عن القطار الذي يستغرق اربعة ساعات ومواعيده غير منتظمة مازحته سائلًا عن رحلات طيران إلي هناك لكنه حدق فيَّ شاكًا في سلامتي العقلية.. شكرته صادقًا ثم حسمت امري وركبت سيارة للأجرة انتظرت فيها نصف ساعة كاملة حتى اكتمل عددها وبين ثرثرة الركاب وصوت المسجل الصادح بقراءات اذاعة القرآن الكريم وعبق الدخان الصادر عن سيجارة السائق الذي يصر على إنه طالما أخرج يده بالسيجارة خارج نافذة السيارة فهو عمليا لا يدخن في وسطنا.. عند وصولي توجهت نحو الفندق الذي ذكرته لولا سلفًا.. حجزت غرفة لليلة واحدة صعدت إليها وأبدلت ثيابي ثم استلقيت أرتاح من عناء الطريق.. بعد الظهر رن جرس الهاتف الداخلي اجبت المتصل فجاءني صوت لولا تتكلم من الاستقبال.. رددت عليها مستغربا

- لماذا لم تتصلي بالهاتف المحمول؟!

فأجابت

- لأني ليس لدي رقمك أيها الذكي..

قالتها بمرح فكدت أشك أنها كانت المتصلة ارتديت ثيابي على عجل ثم نزلت للردهة أشارت لي بعينيها أنْ ألحق بها إلى السطح فهناك مقهى مجاور لحمام سباحة بالمكان.. صعدت بالمصعد من بعدها وبينما اتجه نحو باب المقهى وجدتها امام المصعد أخذت بيدي ثم عادت للمصعد ثم بتلقائية ضغطت زر الدور الذي به غرفتي وأنا مازلت أقف كالمشدوه لا افهم ماذا تفعل وبينما توقف المصعد في الدور المطلوب مدت قدميها سريعًا نحو باب الغرفة فعاجلتني..

- هل ستفتح أم سننتظر ليشاهدنا كل سكان الدور؟!

حركت راسي سريعًا كأنني أفيق من النوم.. أولجت المفتاح ودخلت هي ثم تبعتها في سرعة.. بمجرد دخولنا هتفت  

- قبل كل شىء اخبريني كيف عرفت رقم الغرفة؟!..

ردت بتهكم

- سؤال ينم عن ذكاء خارق.. طبعًا سألت في الاستقبال عن اسمك قبل أن يهاتفك الموظف..

نظرت نحو مرآة الغرفة شاعرا بالغباء..

- قلت بسرعة ورقم الدور؟!

قالت ضاحكة

- سؤال أذكى من السابق فكل الفنادق تجعل رقم الدور هو الرقم الأول من رقم الغرفة يتبعه رقمها الفعلي في ذلك الدور..

زالت دهشتي جزئيًا ولكني قلت..

- لماذا تلك الطريقة المعقدة في اللقاء ولماذا لم تصعدي مباشرة إلى الغرفة؟! ..

لأننا في بورتوفيق يا عزيزي والمدينة صغيرة وبعض أهل والدي قد يكونون بالجوار فكان من الأفضل ان يتوهم الموظف أننا سنتقابل في المقهى العلوي..

مشيدًا ببراعتها جلست على الاريكة المقابلة للسرير فوجئت بها تسألني

- لماذا حجزت غرفة بسرير واحد اين سأبيت أنا!!..

رددت تلقائيًا

- على السرير طبعًا سوف استخدم تلك الأريكة.. لكنك أخبرتني أن أهل والدك يعيشون هنا..

ردت وقد أرهقتها أسئلتي..

يا أخي لا اريد أن يعرف أحد أنني هنا حتى لا يسأل عن خروجي ودخولي لا تنس أني مطلقة.. وهذا مجتمع شرقي..

- حسنًا حسنًا هتفت مجهدة والأن اطلب لنا شيئًا نأكله فأنا في القطار منذ الصباح ولم أُفطر حتى الآن..

اتصلت بخدمة الغرف طلبت الغداء واضطررت لأن أزيد الكميات عن الطبيعي لكي يأكلها شخصين.. اخذت لولا حقيبتها الصغيرة وتوجهت للحمام الملحق بالغرفة بعد قليل سمعت صوت الماء ثم سمعت طرقات خدمة الغرف على الباب.. نقرت باب الحمام في خفة فواربته ونظرت لي بشعر مبتل.. بعد أن حدقت فيها للحظة غير مصدق نفسي أنها هي أمامي نبهتني بنظرة من عينيها.. أخبرتها أن تغلق الصنبور لثوان حتى استقبل الطعام فأغلقته.. ادخل العامل طاولة الطعام المتحركة.. نقدته ما تيسر وخرج ثم عدت أخبرها ان الطعام جاهز.. بشعر مبتل وثوب وردي خرجت من الحمام وهي تحاول ان تجفف وجهها.. وبهرني أن جمالها ذلك طبيعي بدون أي إضافة ولو حتى أحمر للشفاه وقفت أحدق فيها كعادتي كلما وقعت عليها عيناي.. قالت

- محمد ارجوك أنا أعرف أني أعجبك ولكن ليس عدلا أن تحدق فيَّ بهذه الطريقة كلما نظرت إليَّ..

قلت معتذرًا:

- لولا أنت نموذج المرأة بالنسبة لي فأنا أعشق تفاصيلك وجمالك الطبيعي..

احسست أني تماديت فصمتُ.. وهي تضرج وجهها بحمرة خجل وهي تقول

- أتدرى أنى لا اسمح لأحد أبدًا ان يغازلني بكلمة مهما قَلتْ ولكني لا أعرف لماذا أسمح لك انت تحديدًا بذلك.. وقبل هذا لا أعرف ماذا أفعل هنا في غرفتك متخطية كل الحدود التي بيننا..

نظرت لها مستنكرًا وقلت..

- أرجوكِ لا تفسدي اللحظة..

همهمت

- حسنًا هيا بنا فأنا أتضور جوعًا..

جلست قبالتي فاحتضن الكرسي الوثير جسدها وبقيت بعض تفاصيله ظاهرة من سحاب ثوبها الوردي.. أخذت اكل وأتأملها وقلت..

- أين هذا الطعام من اعداد يديك لولا.. 

ابتسمت وهي تقول:

- توقف عن المجاملة قليلًا فأنت تشعرني أنك تحيطني من كل جانب..

توقفت عن المضغ لأفكر في كلماتها.. دائمًا ما أسمع تلك الكلمة من النساء القريبين مني وهو امر لا أقصده بحال من الأحوال.. بعد الطعام طلبت بعض الشاي فجاء على عجل ثم جلسنا سويا على الكنبة المزدوجة وقد أراحت لولا إحدى قدميها تحت الأخرى قبالتي.. قلت لها

- ألن تقولي لي ما الذي كان يضايقك في البنسيون؟! ولماذا اصررت أن نتقابل بعيدا؟! وماذا كان يضيرنا أن تقابليني في غرفتي بالبنسيون؟!..

- هل تظن أني لم أفكر في ذلك!! ولكن لتعرف يا عزيزي أن أوجيني نومها خفيف للغاية وهي تقريبا تعشق مراقبة غرف البنسيون بالليل

ابتسمت مهمهمًا أنى اختبرت ذلك بنفسي.. لم تعقب وأكملت..

- هناك ما لا افهمه من تصرفات أوجيني فهي في الشهور الأخيرة بدأت تغيب عن البنسيون بدون سبب على فترات متقطعة سيارة فارهة تأخذها في وقت مبكر وتغيب بالساعات واحيانًا ليال وانا أعرف ماما لم يكن لها أي مغامرات سابقًا وقد بدا عليها الاضطراب جليًا بعد وصولك للبنسيون.. ولكن هذا ليس السبب الوحيد الذي جعلني أطلب أن اقابلك أيضا فقد فاض الكيل وأنا أري إنك بعد أيام قليلة من إقامتك بالبنسيون قد أصبحت زيارات أوجيني ونجلاء لك شبه يومية تلك في الصباح وهذه في وسط الليل وأحسست أني لابد وان أصارحك بما يعتمل في قلبي تجاهك.. 

Saturday, June 3, 2023

أوجيني - رواية فى حلقات مسلسة (الحلقة الرابعة)

في المساء دخلت نجلاء متسللة إلى الغرفة ترتدي بيجامة نوم رمادية اللون وخفان لهما راس ارنبان.. كان يبدو أنها كانت مستيقظة في انتظار تلك الزيارة وبدت على ملامحها الجدية.. استقبلتها في هدوء فجلست إلى الكرسي المقابل لسريري ضمت ساقيها ووضعت يدها فوقهما ثم قالت في خفوت..

- أرجو ألا اكون قد ازعجتك ولكن هناك تطورات مهمة..

لم اتحرك من مكاني فوق السرير ولكن قلت لها ان تحكي لي ما هو الموضوع.. تنحنحت قليلا ثم قالت لي وهي تتوسل

- أرجوك أستاذ حجازي هذا الأمر في غاية الخطورة وقد يكلفك حياتك ثمنًا له.. أرجوك أن تعدل عن الفكرة وتترك هذا الشمندي..

ابتسمت لها في لطف وقلت..

- هل هذا ما جئت من اجله يا نوجة..

ندت منها ضحكة قصيرة جذلا وقالت..

- بالتأكيد لا ولكن كان عندي أمل أن تتراجع عما في رأسك..

- أنت تعلمين أني لن أتراجع فهلمِ قولي لي ما هي المستجدات

قلبت يدها وقد علمت ألا مفر من استكمال الطريق الذي بدأناه وقالت

- هناك مشروع حي سكني خاص بمنتسبي القوات المسلحة سيقام فى السويس على أرض قاعدة جوية قديمة ويبدو ان شمندي مهتم بأمر هذا المشروع بشكل خاص.. وعرفت أنه سيقوم برشوة بعض الكبار ليحصل على حق تنفيذ المشروع الذي ستتجاوز قيمته الملياريّ جنية..

أطلقت صفيرًا قصيرًا رغمًا عني.. وأنا أسألها

- وهل يبلغ حجم أعمال عمر شمندي كل هذا المبلغ  

- لا أظن ولكنه يعرف جديًا كيف يستغل كل الفرص المتاحة..

قلت موضحًا:

- حسنًا نجلاء هذا كلام جميل.. ولكنى اريد بعض التفاصيل.. اسماء من سيرشوهم إن أمكن.. أي مستندات تشير الى تعاونهم معه.. رسائل اليكترونية أو مكالمات او حتى رسائل نصية..

- إن كل ما تشير إليه لابد أنه في جهاز الكمبيوتر المحمول الذي لا يفارقه ليلا أو نهارًا..

التمعت عيني وانا أُجيب..

- إذا هو من الغباء أن يحتفظ بمعلومات كتلك في جهاز كمبيوتر محمول حتى وان كان في أعمق خزائن الارض.. واستطردت:  

- نجلاء!! هناك مهمة لابد ان تقومي بها بأي طريقة ولكني سأخبرك بتفاصيلها عندما اعود من الاسكندرية؟؟؟

ردت بسرعة: 

- أي شىء تأمرني به سأنفذه على الفور..

ثم نظرت لي باستنكار قائلة:

- الإسكندرية ولماذا ستسافر الى هناك؟!

ابتسمت وانا اقول لها أنى هناك بعض الادوات المهمة التي احتاجها لتساعدنا في مهمتنا.. هنا خطر في بالى أن أسألها:

- نجلاء.. هل تعرفين أي شىء عن حادث ربما يكون قد حدث لشمندي مؤخرًا؟

 فكرت لدقيقة ثم قالت..

- حادث؟!.. ليس حادثًا بالمعني المفهوم ولكنه نجا من سقوط العقار الذي سقط في السويس منذ عدة شهور.. وهو نفس العقار الذي تحمل زوجي مسؤولية سقوطه في حين ان شمندي هو مقاول البناء الحقيقي.. ولكن يبدو انه لم يكن يعلم أن مهندسوه وعماله قد تعلموا منه الغش والارتشاء فكانت النتيجة انه ذاق وبال ما يصنعه في الناس ..

فكرت بصوت مسموع..

- وهل كان معه أحد عندما سقط العقار؟

ردت نجلاء:

- في الحقيقة لا أدرى فقد كان محظوظا للغاية فلم تصبه الا بعض الرضوض لكن رجاله نقلوه الي الفيلا التي له غرب القناة بعدها بوقت قصير.. لقد كانت حادثة كبيرة ولكني كنت وقتها مشغولة بأمر زوجي الذي خدعه هذا المحتال فلم أتابع الأخبار كما ينبغي..

هنا مالت بجذعها للأمام وهي تنظر في عيني مباشرة وتسالني

- وأنت أستاذ محمد ما سر اهتمامك بهذا الموضوع وكيف علمت به..

- مجرد فكرة جاءت على خاطري..

ثم اردفت والان لابد أن تعودي إلى غرفتك.. قامت من كرسيها وجلست على طرف السرير قائلة..

- هل مللت من جلستي بهذه السرعة..

قلت محتجًا..

- أبدا بالعكس انت انسانة لطيفة جدًا ولا اعرف كيف اشكرك على تعاونك معي

ردت في خفوت..

- ولكني انا التي لابد ان تشكرك على أقحام نفسك وسط تلك النيران من أجل أناس لم يمضي على معرفتك بهم سوى ايام..

كنت قد قمت من سريري متجها إلى المقعد الذي كانت تجلس عليه نجلاء منذ ثوان.. فقامت ثم واجهتنى قائلة:

- أنت رجل شجاع..

ثم اقتربت فلثمتني على خدي الايمن في رقة شديدة فنظرت لها ممتننًا.. بخجل خرجت من الغرفة.. فأغلقت الباب ورائها ثم اتجهت إلى سريري.. حاولت النوم ولكن انعكاس صورة شمندي في المرآة امامي ظل يتكرر امامي ساعة حتى وجد النوم طريقه إلى جفوني فنمت.   

استيقظت مبكرا جدًا في الصباح وضوء الشمس مازال لم يغمر الأرض بعد وأنا لا اصدق أن كل هذا حدث فقط في خمسة أيام قضيتها في هذا البنسيون.. وكيف اجتمعت كل تلك المصائب في مكان واحد.. هل سيكون من الفطنة أن أغادر ولا أعود.. لا لن أفعل.. سأساعد نجلاء وأوجيني وغيرهم ممن يقعون تحت سطوة شمندي هذا مهما كلفني الأمر.. خرجت قبل ان يستيقظ أحد من أهل البنسيون.. مررت بعم شعبان نائمًا كعادته.. كنت أعرف أن القطار المتجه للإسكندرية يغادر مبكرًا والمسافة إلى محطة القطار قصيرة نسبيًا.. أبتعت تذكرة للإسكندرية وركبت القطار الذي جاء في ميعاده تقريبًا.. اسندت رأسي على مسند الكرسي ويبدو انني استغرقت في النوم لأني استيقظت فزعًا بعدما مرت بي رؤيا غريبة.. كنت أري نفسي محاصرًا تحت أنقاض وأخشاب ومجموعة من الشباب يحاولون إخراجي من مكاني ميزتهم جميعًا بالرغم من أنى لم أرهم في حياتي من قبل فهذا حسن والأخر شعلان.. وهذا صبري أخو نجلاء.. كنت أري نفسي من موقعي محلقًا فوق الرؤوس واثنان من الشباب يحاولون إنعاش تنفسي وقلبي وبجوارهم تقف المرأة ذات الملابس البنفسجية وقد تدثرت بملاءة فضية اللون.. حاولت ان اتبين ملامحها من موقعي فوق الرؤوس فلم أستطع ثم شهقت بعنف وانا أسعل واختفت الصورة من امامي فجأة.. وصلت الاسكندرية بعد عدة ساعات.. وبينما انا في الطريق هاتفت فايز صديق طفولتي.. الذي كان شريكًا لي في كل مغامراتي الإليكترونية.. وبينما وجهني مجموعي لكلية التجارة كان هو أكثرنا حظًا فالتحق بقسم الحاسب الوليد بكلية الهندسة.. وها هو الأن قد أصبح مديرًا لقسم الحاسب بمؤسسة مرموقة.. أخبرته اني سأمُر عليه لأمر هام.. ثم توجهت إليه مباشرة.. دلفت إلى المبني المكون من ثلاثة طوابق ثم ارتقيت الدرج للدور الأول ودخلت إلي مكتبه مباشرة.. كنت منهكًا وكان يبدو عليَّ أثر السفر الطويل.. لكن فايز لم يمهلني فأمطرني بالتحيات وطلب غداء من طلبات التوصيل بمطعم قريب.. وهو ما حاولت أثناءه عنه بكل طريقة ولكن داء الكرم المتأصل عنده لا يستطيع أمهر الجراحين استئصاله.. استرخيت على أريكة جلدية مقابلة لمكتبه.. بعدها حكيت له عن موضوع الحاسب المحمول الذي أريد ان احصل على البيانات منه.. كنت اعرف ان تلك المعدات موجودة لديه بحكم تعاقد شركته في مجال تامين حاسبات مؤسسات حساسة في الدولة..  فلم يمضي سوى دقائق وكان جهاز صغير أشبه بالهاتف المحمول يرقد بين يدي وهو يشرح لي بسرعة كيفية عمله ثم أردف

- لكنه للاسف يا صديقي لا يعمل الا في مجال عشرون مترًا على الأكثر.. وتبعًا لحجم البيانات المطلوب نسخها فستحتاج إلى نصف ساعة على الأقل..

اخذت الجهاز ودسسته في جيبي ممتنًا ووعدته بإعادته بمجرد انتهاء الحاجة منه رد عليّ بسرعة..

-لا تشغل بالك فالجهاز قيمته منخفضة ولكن الحصول عليه هو الصعب في السوق المحلي..

تناولنا الغداء وثرثرنا كعادتنا في كل شىء.. استأذنته للعودة إلى البيت ولم يفت فايز أن يتفق معي على دعوة اخري للغداء أجلتها لحين الانتهاء من الموضوع الذي أعمل عليه.. بمجرد ان وصلت الي البيت نظرت نحو المرآة الكبيرة في صالة الجلوس فرأيت ملامحي المنهكة وتذكرت تلك الرؤي التي تطاردني.. هنا خطر على بالى أن أتصل تليفونيا بصديقي دكتور احمد الجوهري.. الطبيب النفسي وبعد السلامات حددت موعد لزيارته في عيادته هذا المساء.. تحممت واستلقيت في سريري حتي السابعة ثم انطلقت إلي عيادة الجوهري بكامب شيزار .. عيادة فاخرة أسسها والده الطبيب النفسي المشهور طه الجوهري وقد نجح في التأثير على احمد ليسلك مسلكه في مجال الطب النفسي وبعد تقاعده من التدريس بالجامعة صار مستشارًا نفسيًا لبعض الهيئات الأجنبية ومرجع لأحمد ليصبح واحدًا من أشهر الأطباء النفسيين في الإسكندرية.. دخلت العيادة فحييتنى سكرتيرة عشرينية متأنقة كأنها في حفل.. فقلت لها

- محمد حجازي.. عندي ميعاد مع دكتور احمد..

قالت بتلقائية..

- دكتور احمد أجل مواعيده هذا المساء من اجلك أستاذ حجازي.. تفضل هو في انتظارك..

ببطئه المعهود ورصانته المدهشة تحرك أحمد من مكتبه ليستقبلني عند دخولي من الباب وهو يحييني فابتسمت له بامتنان وانا اعاتبه على ألغاء مواعيده بسببي.. بادلني الابتسامة وهو يقول..

- نحن عشرة العمر وانت من اعز أصدقائي ولا أستطيع ان افعل ما هو اقل من ذلك من أجلك.. وإن كنت في غاية الدهشة لماذا انقطعت عن جلسات التأهيل التي بدأناها بعد الحادث..

هنا تجمدت في مكاني وأنا أسترجع من ذاكرتي أي شىء عن حادث يجمع بيني وبين الجوهري فلم أجد.. قلت له في حيرة حقيقة..

- أي حادث يا أحمد. عما تتكلم..

نظر لى مندهشًا للحظة.. ثم قال في تؤدة..

- فقدان ذاكرة انتقائي.. همم متوقع..

لم أكن في مزاج يسمح لي بالمزاح فلم أجد عبارة أرد بها عليه كما اعتدت كلما استخدم مصطلحاته النفسية المعقدة.. طلب مني الجلوس.. وكانت هناك أريكة من المخمل تبدو مريحة للغاية فجلست عليها..  ثم بدأ يسألني بهدوء أسئلة بسيطة عن صداقتنا وايام شبابنا وانا أرد بتعجب على اسئلته.. ثم فاجئني بسؤاله عن شهر ديسمبر من العام الماضي وهل أتذكر أي حدث مهم قد حدث لي في تلك الفترة.. هززت رأسي نفيًا فأعاد صياغة السؤال.. هل تذكر رحلة الصيد إلي رأس سدر التي قمت بها في شهر ديسمبر الماضي.. أجبته

- بالتأكيد فقد ذهبت انا وسامح و....

هنا أصابني صداع شديد في راسي تحول إلى ألم على جانبي رأسي.. وبدأت أتذكر بفزع وبلقطات متسارعة انهيار الفندق الذي كنا نسكن فيه انا وسامح شريكي في كل رحلات الصيد التي نذهب فيها إلى رأس سدر تذكرت يومها اننا لم نوفق بعدما حجزنا القارب إلى احوال جوية مناسبة ولم يوافق سامح على المبيت بالقارب حتى اليوم التالي لحين تحسن الأحوال الجوية.. فاضطررنا للقيادة إلى السويس والمبيت في الفندق الجديد في اول طريق الاسماعيلية.. وكيف اهتزت الجدران.. ثم لا شىء.. توقفت الذكرى عند تلك النقطة.. هنا سألني عما تذكرت فذكرت له التفاصيل.. قال لي وهو يدون شيئًا ما في مذكرة أمامه..

- لقد اخرجوك من تحت الحطام انت وسامح في اليوم التالي ولم يحالف سامح الحظ فتوفي مع الحادث أما انت فقد فقدت الوعي يا عزيزي خمسة عشر يومًا متصلة وبعد استقرارك في مستشفى هنا بالإسكندرية اتصل بي شقيقك وهو في غاية الهلع من تطورات في حالتك.. وعندما جلست مع الطبيب المشرف على حالتك أخبرني بوجود طفرات في قياساتك الحيوية مقلقة بالنسبة له فطلبت منهم تركيب جهاز خاص لقياس الاشارات العصبية راقبته بحرص مسجلًا جميع ما يأتينا به مخك فكانت النتيجة مذهلة.. فصك الأمامي كان يعمل بصورة كثيفة..

نظرت له مستفهمًا فقال..

- الفص الأمامي الذي يصفه العلماء بالفص الخامل وهو الذي ليس له وظيفة محددة مكتشفة حتى الآن.. ولكننا نظن وبشده انه مسؤول عن القدرات فوق العادية للعقل مما يعنى أن عقلك كان في حالة فوق عادية بصورة ما.. المهم أنك بعد الأسبوع الأول بدأت في ترديد بعض العبارات أثناء غيبوبتك وهو ما يعنى أنك كنت مستيقظا.. أو هذا الجزء من مخك كان مستيقظًا بصورة ما وقد قمت بتسجيل تلك العبارات لعلي أجد لها تفسيرًا عندما تفيق.. وقد ناقشنا هذا الموضوع في الجلسات التي تلت الحادث هنا في عيادتي.. فقد كنت أنت متأثرًا بشدة لوفاة سامح.. ثم توقفت عن الحضور إلي الجلسات فظننت انك بحاجة للراحة بصورة مؤقتة وعندما رأيت انك قد عدت إلي عملك وقد مضي علي هذا الموضوع ما يقترب من شهرين.. فضلت أن اترك عقلك يأخذ مساحة للتعافي من صدمة ما بعد الحادث.. ولكن يبدو ان عقلك يعمل بطريقة غريبة فها انت لا تذكر أي شىء عن الحادث.. في حين أنك تذكر كل شىء قبله وبمنتهي الدقة

كانت تلك المعلومات أكثر مما احتمل فأغمضت عيني في شدة وقلت له..

- أحمد يجب أن اخبرك بموضوع مهم جدًا.. منذ يومين تأتيني رؤي كأنها أحلام يقظة فأري نفسي في مكان ينهار ولكني أري معي امرأة وقد نظرت في مرآة المكان أثناء تلك الرؤية فرأيتني بشخص أنسان اخر اعرفه جيدًا..

قال مستفهمًا..

- من؟! من هو؟! قلت مباشرة.. شمندي..

هنا بدا عليه تجهم غريب وهو يقول..

- عمر.. عمر شمندي..

نظرت له في حيرة..

- كيف عرفت بقية الاسم؟  وشمندي هذا لم اقابله في حياتي ألا من ثلاثة أيام في مدينة السويس نفسها..

رد بسرعة وماذا كنت تفعل بالسويس..

- قلت له أني كنت أطمح ان أجد عندك جواب هذا السؤال.. فأخر ما اتذكره انني افقت لأجد نفسي على متن القطار المتجه ألي هناك..

نظر لي نظرة فاحصة ثم قام من مقعده وجلس بجواري على الاريكة.. وفي كراسته التي لا يتوقف عن الكتابة فيها كلما رأيته وجدته يشير إلى صفحة كاملة ملئتها عبارات منفصلة.. كان من بينها.. سأريهم من هو عمر شمندي.. ثم قال..

- لو أخبرت أي انسان غيري بهذا الكلام لظن أنك تحلم..

فتذكرت الحلم وقلت له أني رأيت نفسي مرة اخري بجسد هذا الشمندي وهناك محاولات لإخراجي من بين أنقاض مكان منهار وبالمناسبة فعمر شمندي واحد من ضحايا حادث انهيار لعقار بالسويس قد يكون نفس الفندق الذي انهار بي انا وسامح.. قال مبتسمًا:

- مدهش..

بدت على امارت عدم الفهم..

- ما هو المدهش يا عزيزي..

- نستطيع التأكد في التو أذا كانت هناك عقارات اخري قد انهارت في السويس في شهر ديسمبر..

وبعد بحث قصير على الانترنت تنهد احمد قائلا..

- النتيجة سلبية فقط الفندق الذي انهار بكما انت وسامح.. أذا فقد شاركك عمر هذا نفس الحادث وانت تتحدث عن رؤيته في وقت الحادث تقريبا..

- نعم هذا ما أظن انه حدث..

تنهد قائلا..

- ما نحن بصدده الآن يقع خارج عن نطاق المألوف يا محمد.. ولكنني أري أنك بصورة ما قد امتزجت ذكريات هذا الرجل وقت الحادث بعقلك.. وقد يكون هذا هو السبب المباشر لعودتك للسويس..

لم استسغ الفكرة لكني بدأت ألوكها بعقلي.. يبدو هذا منطقيًا إذا تتبعت نظرية دكتور أحمد.. بادرني متسائلا

- والآن ماذا تنوي أن تفعل.. هل ستعود إلي جلساتنا التأهيلية؟..

أخبرته أنني لا أدري ولكن هذا الحادث قد فتح أمامي بوابة مهمة أظن ان عليّ أن أنجزها أولا.. أكد على كلامي قائلا..

- لا شىء يحدث مصادفة يا عزيزي.. بقي شىء أخير يا محمد..

- ما هو؟!..

- هل شمندي هذا شخص صالح؟!

هززت رأسي نفيًا.. فقال

- وعندما تري نفسك في صورته.. هل تشعر أنك هو بشخصه..

- لا أشعر أنى محمد حجازي لكني في هذا الجسم..

رد قائلًا إذا فهو فيض عقلي مؤقت..

تنهد تنهيدة ارتياح وقال:

- محمد اظن الرؤي ستعاودك.. فقد تحرر شىء ما من عقل هذا الرجل ووجد فيك مستقبلا مناسبًا فولج في عقلك.. أرجو منك الحرص..

شددت على يده شاكرًا في سلام حار وانا اغادر. وتوجهت إلى البيت.. في الصباح كنت على متن القطار المتجه إلى السويس وهذا المرة لدي خطة كاملة بما سأقوم به في الأيام القادمة.