Sunday, August 27, 2023

وجوه.. رواية في حلقات منفصلة (الحلقة الثانية عشرة)

على أريكتي الرمادية المفضلة امسكت بالريموت وعلى قناة يوتيوب تعرض اخبارا سياسية تركت التلفاز يعمل.. وبرغم أنى تعمدت تشغيل تلك القناة تحديدًا لاني انشغل بمواضيعها.. لكني فوجئت بعد ثواني أنى خرجت تماما من حيز الغرفة وانطلقت افكاري في أروقة عقلي تدور بين غرفه المفتوحة والمواربة والمغلقة وعلى أبوابه رأيت لافتات تدفقت حروفها في عقلي مباشرة.. ومن بين تلك الأبواب كان الباب الذي اعرف أنى جئت لهذا الرواق من أجله.. وعلى بابه بحروف كبيرة طُبع أسمها القصير المحبب ومن تحته وصف قصير لرحلتي معها.. وكمسلوب الإرادة امتدت يدي لمقبضه.. ورغما عني خالجني شعور بالرعشة من ملمس المقبض ونعومته.. فتحت الباب ببطيء شديد وخطوت داخل الغرفة التي كانت خاوية تقريبا تتدفق فيها الأضواء من لا مكان.. في أحد الأركان وعلى الأرض جلست.. وضعت رأسي بين قدمي وانطلقت افكاري تجتر ذكرياتي مع صاحبة الغرفة الوردية.. توالت الذكريات وتدفقت كسيل شهب في ليلة ليلاء.. رأيتني أقف أمامها في غرفة ضيقة ترتكن لدولاب الغرفة القصير وقد ضغطت على جسدها بجسدي وغبت امنحها قبلتها الاولي.. احتضنتها بقوة حتى سمعت طقطقة من عظامها.. أصابني الدوار فسقطت كما يسقط المغشي عليه على ظهره ثم افقت على جلستي واياها على أحجار مبنى عتيق.. كانت جالسة بجواري هناك في هدوء وسكون دقيقة الملامح دقيقة الجسد.. تلامس كتفانا فسرت في جسدي نشوة ومددت يدي لألمس يداها وحالما لمستها اندلعت في أوصالي تلك الرعشة الكهربية التي افقت منها لأجدها تجلس امامي على طاولة مقهى ما وهي تبتسم نصف ابتسامة.. عندها نفضت رأسي وقمت في عنف.. صرخت:

- لا.. أنا لم اجيء الى هنا من اجل ذلك..

رنت ضحكة ساخرة ميزت فيها صوتها وبدا أنها تراني وتسمع ما يجول بعقلي.. أحسست بالوهن عدت للخلف وجلست وركنت راسي على الحائط.. جاءت كطيف بدا يتكثف حتى صارت بشخصها ووقفت أمامي وأنا جالس على الأرض وسألتني..

- إذا لماذا جئت.. هل ستعترف أخيرًا؟..

نظرت نحوها من مكاني وقلت بصوت واهن..

- أعترف؟ أعترف بماذا؟

نظرت نحوي بحدة وقالت..

- هل ستعترف؟..

اسقطت يدي على الأرض بجانبي.. وقلت

- نعم.. لقد جئت هنا لأعترف..

بدأتني بسؤالها..

- لماذا؟..

لم تصرح بسؤالها لكني سمعته كاملا.. وانطلقت أجيب..

- نعم أعجبت بك منذ اللحظة الاولي.. اعجبتني دقة ملامحك.. أعجبني جسدك الصغير وكلامك السريع.. لا.. لم أكن لأحبك من أول نظرة.. فلست هذا الرجل.. لم أحب أحد من اول نظرة.. اعرف نفسي جيدا حينما يغمرني الاعجاب وهو ما قد كان عندما رأيتك..

نظرت نحوي بدهشة وسألت

- طاردتني أليس كذلك؟..

أجبت واثقًا..

- نعم فعلت.. نعم. كان هذا حتميًا.. وإلا كيف أعبر لك عن إعجابي..

في هدوء سألت

- وهل سمحت لك بذلك؟

عقدت يدي على صدري وارحت ظهري على الحائط وقلت في ثقة..

- لا لم تكوني فتاة سهله.. استغرقت وقتا طويلا لانتقل عندك من خانة المعرفة الي خانة الصديق..

ابتسمت لأول مرة منذ أتت وهي تسأل.

- وهل اخبرتك أنك تعجبني؟..

قلت نافيًا

- لا لم تفعلي وبما أنى لم اعجبك على ما بدا لي.. فكانت مهمتي أن اظهر في سمائك وأنافس نجومك التي تسطع فيها..

التفتت إليَّ بعدما كانت قد توجهت للحائط المقابل وقالت بهدوء

- تعود الي الفاظك المراوغة مرة أخرى..

رفعت رأسي لها وقلت بصدق..

- لا لم اقصد..

همهمت ثم قالت

- وماذا كنت تتوقع مني عندما طاردتني؟

بنظرة خاوية تماما قلت بعد تفكير دام دقيقة او يزيد..

- لا شيء.. لم اكن انتظر منك أي شيء.. كنت انساب معك كماء يجري بين ضفتي نهر انطلق من منبعه مندفعا في طريقه أحيانا يسير ببطيء وأحيانا يندفع في عنفوان وبين هذا وتلك كانت أيامي معك..

مدت يدها فسحبت روحي من جسدي ووضعتها في سيارة نبيذية اللون ونظرت نحوي من مقعد مرافق السائق.. قالت

- ولماذا اجبتني عندما ناديتك؟

مددت يدي نحو المقود فركنت السيارة على جانب الطريق الذي حفت به الأشجار انزلتها ووقفت قبالتها ثم امسكت بكتفيها الدقيقين وقلت لها مباشرة..

- وفاءًا لعهد قطعته لك وظننت أنى يمكنني الوفاء به الي الابد..

بدت محتارة وهي تتلفت نحوها وتنظر الي جدران الغرفة التي عدنا إليها وكأننا لم نغادرها وقد اكتست جدرانها بلون بني وبدا فيها جهاز تكييف وتحته فرش صغير ترقد فوقه العاب صغيرة للأطفال.. نظرت أليها ثم التفتت لي وقالت  

- وعندما طلبت منك ان توافيني في هذه الشقة.. وافقت؟..

نظرت نحو الأرض ولم أجد الكلمات.. فكرت ثم قلت..

- لم اخطط لأي شيء.. فقط أخترتِ انت المكان فجئت..

صرخت في حدة.. كنت تعرف كل شيء ورغم ذلك جئت؟

لم افكر هذه المرة.. أجبت مباشرة..

- نعم كنت اريد ذلك وتركتك حتى تتطلبيه..

نظرت نحوي بدهشة حقيقية وهي تقول..

- تركتني!! إذا فقد كانت تلك خطة من خططك أيضا؟..

كدت ان أقول لها لا.. لكنني عزمت الا أخفي شيئًا هذه المرة.. قلت مؤكدًا..

- نعم كنت اريد ان انفرد بك..

سكتت لثوانٍ فإذا بنا على فراش ترقد هي عليه امامي.. دفعتني بيديها بهدوء ثم عادت تقول بإصرار

- ولكنك رفضت ان تكون لي.. طلبت إليك ذلك مباشرة غير مرة ورفضت.. أتستمتع باللعب بي؟..

نظرت نحوها وداخلي أحساس شديد بالاشتياق لضمها.. كبته وأنا أقول لها بنبرة منخفضة..

- لم تكوني لتسامحي نفسك.. اتسعت عيناها وهي تقول لي..

- نفسي.. تقصد لم أكن لأسامحك؟..

أعدت كلماتي بإصرار..

- لم تكوني لتسامحي نفسك.. اعرف هذا الشعور جيدا واختبرته من قبلك وليس عندي نصف يقينك وايمانك.. اعرف ان شعور ما بعد الحدث قد يسيطر عليك ويغلبك ولم أُرد لك هذا..

اعتدت تلك الانتقالات المفاجئة في هذه الغرفة العجيبة عندما وجدتنا نجلس على طاولة على رمل الشاطئ وهي تستند بيديها على ركبتي وانا اداعبها في هدوء نظرت نحوي وقالت ..

- وها انت الان تتكلم عني وكأنك انت من يقرر ماذا اريد او لا أريد..

قلت وانا اغمض عيني..

- لا لم ادعي لنفسي هذه القدرة ولكني فقط خفت عليكي..

بدت كمن سئم الحوار فسألتني مباشرة..

- أتحبني؟..

نظرت نحوها لدقيقة فأعادت سؤالها وقالت:

- أتحبني.. أم أنك فقط تستجيب لندائي وفاءا لعهدك الذي قطعت..

قلت وكأني مشدوه لا اعلم أتخرج كلماتي من شفتي أم من عقلي مباشرة..

- أنا لا أحب احدًا.. لم اعرف معنى هذه الكلمة.. أتقرب للكثيرات وتجمعني بهم أوقات الفرح والترح.. أمنحهم لذة المشاعر والإحساس وأستمتع بها أيضا.. ولكني وعندما انفرد لنفسي واسالها أأحب حقًا.. لا لم أجد لذلك إجابة..

بدا في عينيها بريق وهي تقول..

- إذا انت تعترف أمامي بإنك لا تحبني..

قلت لها وانا أضغط على كلماتي بقوة..

- أخبرتك أني لم أحب أحدا قط.. ولا انتي ولا غيرك..

هنا جاء السؤال الذي توقعته هذه المرة.. قالت  

- إذا.. ماذا نحن.. أخبرني ولا تراوغ هذه المرة.. ماذا نحن؟

قلت باستسلام

- نحن شريكين.. كطائرين يعيشا على جزر المحيط.. يهاجران الاف الاميال كل عام.. يذهب كل منهم في طريقة وتجمعهما أيام الخريف على تلك الجزيرة يلتقون ويكون بينهم ما يكون ثم يتحتم عليهم الفراق ليقضيا باقي العام على جزيرة أخرى.. وهكذا هي الحياة.

اتجهت نحوي ومدت يدها لي لاقف فأمسكت بيديها وقالت

- إذا ماذا تريد؟..

وقفت من جلستي وانا استند عليها وأجبت بثقة ولأول مرة منذ بداية حوارنا..

- لا شيء.. حتما لا شيء.. فقط ان تشملك السكينة وتعيشين أيام جميلة ترضين فيها عن نفسك وعن الحياة..

اقتربت منها فضممتها بقوة وامسكت بها من كل مكان في جسدها استسلمت لي تحتضنني هي الأخرى ثم تلاشت فأحسست بالخواء.. مشيت بخطى بطيئة نحو الباب خرجت منه وسمعته يغلق من خلفي وقد تبدلت الحروف عليه نظرت نحوها برضا ثم سرت في الرواق نحو يقظتي. 

No comments: