جلس حامد خلف مكتبه وهو ينظر الى الارقام على شاشة الكومبيوتر في
نشاط.. وأصابعه تتحرك في عفوية على أزرار لوحة المفاتيح..
وعلى لحن منخفض لأغنية قديمة من اوائل التسعينيات بدأ يدندن ويغني
مقاطع منها وهو يبتسم كعادته كلما تذكر تلك الاغنية.. وبينما هو مندمج في العمل
الصباحي المعتاد..
سمع طرق خفيف على الباب فصاح "تفضل" وبعد ثوان دخلت
الأستاذة سميرة مدير قسم الموارد البشرية وبجوارها فتاة استرعت انتباه حامد
بملابسها المهندمة فوقف محييًا..
فبادرته سميرة:
- أستاذ حامد صباح الخير أقدم لك الآنسة أسماء موظفة الإدارة المالية
الجديدة، ستشتغل مع حضرتك إن شاء الله..
بدا على حامد عدم الارتياح وقال في حدة
- أولًا صباح الخير أستاذة سميرة وصباح الخير آنسة أسماء .. ثانيًا
أزاي يعنى حد يتعين في الادارة المالية من غير ما اعمله انا مقابلة التوظيف.
قالت سميرة في هدوء محاولة تخفيف حدة الموقف
معلش يا استاذ حامد الآنسة أسماء تبقى بنت اخت زوجة عم مدير الشركة
الاستاذ بهنساوي وهو اللي رشحها للوظيفة وأرسل أوراقها لإدارة شؤون الموظفين.
رد حامد بنفس الحدة
- ولو.. الشغل في الادارة المالية محتاج امكانيات معينة.
ردت سميرة في بساطة:
- مهو مفيش مانع تعملها اختبار حتى لو كانت خلاص اتوظفت لو معرفتش
تنجح فى الاختبار .. ممكن ننقلها إدارة تانية.
نظر حامد الى الآنسة أسماء التي كانت في حالة شديدة من الخجل وقال في
حدة:
- طيب خلاص حضرتك خلصي لها اجراءات التعيين وعرفيها على المكان وبكرة
ان شاء الله حعملها المقابلة واشوف ان كانت ينفع تشتغل معايا والا لأ..
- طيب تمام
ردت سميرة في هدوء واخذت بيد الآنسة أسماء وخرجت من المكتب.. جلس
حامد يتمتم بعدة الفاظ نابية طالت الاستاذ بهنساوي وسميرة وقسم الموارد البشرية
كله...
في اليوم التالي بعدما دخل حامد مكتبه بدقائق.. دخلت سكرتيرة الادارة
المالية وابلغته ان الموظفة الجديدة الانسة أسماء وصلت.. أستغرق بعض لحظات حتي
تذكر من هي الموظفة الجديدة ثم قال للسكرتيرة ان تطلب منها الدخول .. بعد ثوان
كانت الآنسة أسماء جالسة في الكرسي المقابل لمكتب حامد وهي تنظر في اوراق امامها
يبدو انها سيرتها الذاتية.. بدأها حامد بالتحية
- أهلا آنسة أسماء .. تشرفت بمعرفتك
ردت في هدوء: أهلا بيك أستاذ حامد الشرف ليا انا...
- قولي لي بقى اشتغلتى في الحسابات قبل كده؟؟
- لا لسه متخرجة جديد السنة اللي فاتت بس..
- الله .. أُمال كاتبة ايه في السيرة الذاتية؟؟
- شوية معلومات كده عشان شؤون الموظفين..
- ممكن اشوفها من فضلك؟
- طبعًا اتفضل..
- همم ما شاء الله انتي كتكوتة خالص..
- نعم؟!!..
- أقصد صغيرة فى السن يعنى.. بتعرفي تشتغلي على الكومبيوتر..
ميكروسوفت اوفيس..أكسيل..وورد؟؟
- آه بعرف .. مش اوى يعنى .. لكن بحاول
- كويس جدًا تعالى على الكمبيوتر بتاعى واعمليلي جدول على الاكسيل
لعدد عشر عملاء .. وحنحدد فيه اسم الشخص المسؤول وارقام الاتصال واجمالى حجم
المعاملات والمجموع..
- على جهاز حضرتك؟؟!
- أيوه تعالى اقعدى هنا على مكتبي..
بخطوات خجولة وفى زي رسمي جاكيت وجيب قصير رمادي اللون تحتهما قميص
ابيض وايشارب باللون الاحمر تحركت أسماء بلطف وجلست على كرسي حامد وهي تحاول ان
تعدل من الجيب قدر الإمكان حتى لا تكشف ساقيها عند الجلوس.. مستمرًا في وقفته
بجوارها طلب منها حامد ان تبدأ العمل.. بأصابع مرتعشة قليلا امسكت أسماء الماوس وبدأت
في إعداد الجدول وبعد دقيقة كان يبدو أنها تعرف ماذا تفعل فاستطاعت ان تنشئ الجدول
المطلوب منها وتبقى ان تظهر عملية المجموع فتوقفت اصابعها حائرة.. وفى حركة عفوية
مد حامد يده للماوس ليضع خانة المجموع فلامست يداه أنامل الانسة أسماء فشهقت في
خفوت فرفع يديه سريعًا معتذرًا وارتسمت ابتسامة خجل على شفتا أسماء التي قالت في
سرعة..
- ايه رأى حضرتك في الجدول؟؟
ردَّ حامد وهو مازال يشعر بملمس اناملها الرقيقة على اصابعه..
- تمام تمام الله ينور .. بس متهيألى انك محتاجة شوية تدريب وخصوصًا
على المعادلات فى الاكسيل ..
- ده صحيح فعلًا .. أنا مشتغلتش على المعادلات قبل كده..
- متقلقيش ان شاء الله بعد كام جلسة تدريب تقدري تبقى كويسة جدًا فى
الموضوع ده..
- بس…آ..آ
بس أيه؟؟!!
- كنت عاوزة استأذن حضرتك فى حاجة؟
- تفضلي…
- ياريت لو التدريب ده ميكونش فى المكتب..مش عاوزة الزملاء يحسوا انى
مش متمكنة من الشغل.. حضرتك فاهمني مش كده؟!!
- طبعًا فاهم وده شىء منطقى ..عندك حق ..طيب تقترحي ايه؟
- لو ممكن في أي مكان تاني ويكون معايا اللاب توب وحضرتك لو وقتك
يسمح تدربني..
ابتسم حامد في هدوء ونظر الى أسماء معجبًا بعمليتها واسلوبها
المباشر.. واتفق معها على أن يتقابلا يوم السبت القادم لأنه يوم عطلة في مكان
يعرفه.. قريب من الحديقة الكبيرة لشرب القهوة والتدرب على معادلات الاكسيل وقدر
انها قد تكون فرصة جيدة ليتعرف الآنسة أسماء عن قرب ..
- كده تمام.. ممكن تكتبي خطاب عمل على الوورد..
بدأت أسماء تكتب الخطاب الذي طلبه منها حامد وهو يعدل كلمة من هنا
وكلمة من هناك وعندما انتهى التف حول المكتب وجعل يقرأ ما كتبته أسماء أحست به
أسماء قريبًا جدًا منها وكعادته مد يده للماوس ليعدل بعض الهوامش ويبدو ان أسماء
لاحظته هي الأخرى لكنها أشارت له وهي ترفع يدها عن الماوس الامر الذي جعله يبتسم
لها ويعتذر في هدوء ومد يده لها لتقوم عن الكرسي فأسقطت يدها في يده في بساطة
وقامت من كرسيه وجلس هو مكانه وقال لها..
- تمام تقدري تقعدي في المكتب المجاور للأستاذة أمينة.. اظنك ستكوني
مناسبة كمساعد مسؤول قسم الموردين وحركة الخام ..
- شكرا جدًا لحضرتك وان شاء الله اكون عند حسن ظنك.. ابتسم لها
حامد فقامت في رشاقة من مقعدها وتوجهت نحو الباب وعينا حامد تتابعها في اعجاب..
واغلقت الباب خلفها في هدوء…
***
No comments:
Post a Comment