ماذا تريد مني هويدا؟!.. زفر حامد في قوة وهو يعيد على نفسه السؤال
بصوت مسموع.. وبدت منه التفاته نحو النافذة التي يطل منها على إدارة الحسابات
وتابعها ببصره وهي تخطو عائدة إلي مكتبها تمشي في ميوعة وعلى الرغم من أنه أعتاد في
الآونة الأخيرة بعدما التحقت الموظفات الجدد بالمكتب تلك النفحات الأنثوية
والملابس العملية المغرية أحيانًا إلا انها كانت تداعب رغباته التي طالما سيطر عليها
بالشكل المناسب.. كانت بارعة في عملها فتقاريرها لا تتأخر أبدًا تحت أي ظرف
وكثيرًا ما أنشئت تحليلات القوائم المطلوبة حتى قبل ان يطلبها وهي ما كان يدفعه لاحترام
عملها كثيرًا.. ولكن شتان بين عملها وأعمالها.. رن جرس الهاتف فانتفض وهو يخرج من
تخيلاته وها هو سعدون مدير الحركة يداعبه كعادته..
- كيف حالك يا شهريار..
- توقف عن هذا الكلام يا سعدون لا يجوز هذا الحوار في الشركة..
- في الشركة وخارج الشركة يا عزيزي.. مرت مدة طويلة ولم نخرج سويًا
.. أنت مدعو اليوم للعشاء على حسابي..
- على حسابك.. لا أصدق ما أسمع..
ضحك سعدون في مرح وهو يقول:
- ولا انا يا عزيزي ولكن يبدو ان مناسبة اليوم تستحق..
- مناسبة!! أي مناسبة..
- هيا هيا لا تضيع وقت العمل في الثرثرة.. أراك اليوم الساعة
التاسعة مساءًا في مطعم الوليمة..
صفر حامد رغمًا عنه..
- الوليمة مرة واحدة.. أهو ميراث أم ماذا؟
رد سعدون في سرعة..
- هيا هيا أنا مضطر أن أذهب ميعادنا في التاسعة لا تتأخر..
أغلق الخط وقد انسته المكالمة كل ما كان يفكر فيه.. في الواقع كان
يعلم سر دعوة سعدون على العشاء.. فهو قد لاحظ منذ فترة ليست بالقصيرة انه منجذب
نحو سميرة مسؤول الموارد البشرية وقد قدر نظرًا لمعرفته بطبيعة سعدون المثالية أن
هذا الانجذاب لابد وأنه سيؤدي للارتباط الرسمي حتمًا.. عاد إلي حاسوبه واستغرق في
أرقامه حتى انتهي اليوم وتسلل قبل انتهاء الدوام بدقائق حتى لا يضطر ان يتحدث مع أي
من الموظفين .. ركب سيارته وانطلق الى المنزل.. قبل ان يصعد السلم رن جواله
فتناساه إلا انه ظل يرن بلا انقطاع.. عندما نظر الى الشاشة وجد المتصل سميرة.. بفضول
اجاب..
- أهلا سميرة؟؟..
- أهلا كيف حالك.. وصلت البيت..
- لا. ليس بعد.. أصعد السلم الآن..
- أنا خلفك تقريبًا..
نظر خلفه في سرعة فلم يجد أحد فرد بسرعة
- لا لست خلفي..
سمعها على الطرف الأخر وهي تضحك
- ليس تمامًا يا أخي.. أنا أمام المنزل هل تسمح لي بالصعود..
- بالطبع تفضلي..
أسرع يعدو السلم ثلاثًا حتى وصل شقته.. أزاح بعض الملابس كانت في
طريقها للمغسلة وحاول ان يزيل أطباقًا رقدت بالمطبخ منذ مدة لكنها لم تمهله وسمع
جرس الباب يدق.. فتح ودخلت سميرة والقت بنفسها على الاريكة وبدت منهكة إلى حد
كبير.. بادرها بالسؤال..
- سميرة.. ما الذي.. مم.. كيف حالك؟؟!
ابتسمت وهي ترد
- ماذا بك يا حامد؟.. ليس معنى اني لم اعد أزورك كل تلك الفترة أنك
نسيت من أنا بالنسبة لك..
نظر لها في ود وهو يسترجع تلك الأيام.. انتشلته سميرة من أفكاره وهى
تقول ..
- هل دعاك سعدون اليوم لميعاد الساعة التاسعة؟؟
أكد على كلامها فما كان منها إلا أن قامت إلى المطبخ وقالت
- سأعد فنجانًا من القهوة.. أتريد واحدًا؟!
أومأ برأسه فتوجهت نحو المطبخ وهي تطلق صيحات استهجان من وضع الشقة
المبعثر.. وبينما هي تعيد ترتيب المكان سرحت أفكاره في سنوات مضت كان وسميرة من
أوائل الموظفين في الشركة وحرفيًا بنى كل منهما قسمه بيديه المجردتين.. كثيرًا ما
سهروا لتحضر أوراق التصدير والاستيراد العاجلة في تلك الأيام وكثيرًا ما سافرا إلى
الميناء وقضوا الليلة والليلتين يراجعون الشحنات ويتسلمون الفواتير.. كانا في غاية
النشاط متقاربان في السن.. وقد زادتهم اهتمامات العمل اقترابًا.. دائمًا ما كان
يرها وكأنها صديق قريب جدًا.. كان يشاركها كل ما في حياته.. حتى أفكاره العاطفية..
وتقبلت هي تلك المشاركة بل صار هو ايضًا بالنسبة لها مستودع أسرارها.. وفى احدى ليالي
العمل الطويلة.. سألته لماذا لم يتقرب منها جسديًا كمان يفعل كل الرجال وخصوصًا وأنها
ذات جسم ممشوق وملامح اوروبية ورثتها من جدتها لأمها ذات الأصل التركي.. ساعتها لم
يدري ماذا يجيب.. كان اول ما خطر بباله ان يقول..
- سميرة أنتِ تعلمين أنك صديقتي المقربة وأخشى أن تخطيت حدودي أن
يؤثر هذا على صداقتنا..
ردت في عفوية..
- وماذا ان تخطيت انا حدودي هل سيؤثر ذلك في صداقتنا؟؟
ومالت نحوه وهي تقول..
- أنت تعرف أني لا اخفى عنك شيء أبدًا.. في الايام الأخيرة أشعر
نحوك برغبة ما..
حدق في وجها وقد توقف عقله لوهله عن العمل.. وإذا بها تناوله هاتفها
الجوال .. التقطه من يدها فعاجلته
- يبدو أن عليك ان تركب السماعة فبرغم ان المكتب لا يوجد به ألا
نحنُ فالصوت قد يكون مرتفع قليلا..
بعد عدة دقائق صاح بها أنت مذهله.. كيف استطعتِ ان تخرجي كل تلك
المشاعر من تحت قناع جدية العمل الذي لا تنزعينه أبدًا..
هنا تقدمت نحو مكتبه وهي تقول..
- لا يمكنك ان تتصور مدى التزامي حتى التقينا يا عزيزي ولكني شعرت
بجوارك براحة وأمان وكأنك تملكني.. فكان أن أطلقت العنان لنفسي وكنت أعرف أنك لن توبخني
أو تقهرني أذا أظهرت ما بداخلي امامك..
وقف حامد وهو يربت على شعرها البني ورفع ذقنها لتنظر في عينيه وهو
يقول..
- أنا مستودع أسرارك يا عزيزتي لا تقلقي..
ردت في تأكيد
- لا لست قلقة أبدًا وحتى أن تركت حياتي بين يديك..
ومن بعدها صارت زيارات سميرة لبيته امر معتاد يقضون الليل في سهرات
لمشاهدة الأفلام والتحدث في كل الأمور وأحيانا يلعبون الدومينو أو الشطرنج وكثيرًا
ما غفت على أريكته..
انتزعته سميرة من أفكاره وهي تقول..
- أرجو ألا تكون ذكريات أيامنا الأولي هي ما يدور في عقلك الآن..
أبتسم حامد وهو يهز رأسه مؤكدًا على توقعها..
فردت سميرة في شيء من الحزم: على الرغم من أنى أستمتع باستدعاء تلك
الذكريات ولكن ليس هذا هو الموضوع الذي جئت من آجله..
عاجلها حامد قائلا: سميرة انت تعرفين لماذا دعانا سعدون لمطعم
الوليمة..
- نعم اعرف ويبدو أنه يريد ان يطلب مني الزواج.. انا لم أرسل له أي
اشارات خاطئة وانت تعرف عنى ذلك جيدًا.. سعدون زميل عمل ولم يرق أبدًا ليكون صديق مقرب
او حتى صديق فقط حتى وسيؤسفني أن أرفض طلبه الليلة..
رد عليها متوسلا
- ولكن لا يمكن ان تسببي له هذا الأحراج
ضحكت وهي تقول
- انا؟؟! حامد انت لا تعرف كيف يتتبعني سعدون وكأنه جهاز المخابرات
فيبحث حركاتي وسكناتي ويحيطني لدرجة الاختناق.. ليس سعدون هو منتهى أحلامي وأظن أنني
لن احيد عن قراري..
- أذا أخبريه الان في الهاتف لا تنتظري وتخبريه على رؤوس الاشهاد
أمعنت التفكير للحظة وقالت
- عندك حق..
سمعت صوت جرس هاتفه يرن ثم صوت سعدون على الجانب الآخر.. بكل كياسه
أخبرته سميرة وكأنها تسرد له قصة شخصين اخرين.. بعد برهة اتصل سعدون لاغيًا سهرة
اليوم بنبرة حزينة لم تخف على أذني.. فنظرت لي بعد ان أغلقت الخط وهي تتثاءب..
- هل يضايقك أن أغفو عندك الليلة.. فليست بي رغبة للقيادة ولا حتى
الذهاب للمنزل الآن..
أشرت لها نحو الدولاب.. فاستبدلت ملابسها ببيجامة من عندي وبعد دقائق
أعدت كوبين من القهوة ورحنا نشاهد أحد برامجنا المفضلة حتى شعرت بها تندس تحت
الغطاء معلنة رغبتها في النوم فأطفأت إضاءة صالة الجلوس وتوجهت إلى غرفتي واستغرقت
في النوم.
***
No comments:
Post a Comment