مشبعة بالمشاكل كعادتها منذ التحقت بالمكتب جلست هويدا زميلتنا
الجديدة تتحدث إليّ.. وبرغم أني في معظم الأحوال لا أستمع لها فعلًا لكنى دائمًا ما ارى انه من
باب الذوق ان أهز رأسي ليها بين الفينة والأخرى تعبيرًا عن متابعتي المشكوك في أمرها..
وكعادتها تختتم حديثها بان هذا هو حال الرجال في هذه الأيام مُكررة ما يردده
الجميع عن أيام زمان والتي كان الرجل فيها حنونًا عطوفًا.. إلخ إلخ.. وبرغم أنى
على يقين تام ان هذا بالضبط ما كانت تقوله نساء تلك الحقبة الزمنية المذكورة لكنى استمريت
في أداء دوري من هز منتظم لرأسي أو نطق كلمة هاه او همم كلما تيسر.. التحقت بنا
هويدا منذ عشرة أيام تقريبًا وعدا انها تتفنن في اختيار الملابس الجاذبة - للرجال
طبعًا - فيميزها تلك الحسنة بالخد والتي لا أستطيع حتى الآن ان أجزم ان كانت حقيقة
أم جزء من تبرجها.. وجل ما يدهشني في هويدا تلك انها تفتتح صباحها تقريبًا بلعن
رجال الكوكب إلا أنها ويا للعجب تصنع كل ما يلفت نظرهم لها.. تذكرت هنا أن الأستاذ
حامد لم يوقع طلب تعيينها هي الأخرى وتصورت ردة فعله عندما تفاجئه الأستاذة سميرة
بوجودها ضمن إدارة الحسابات.. مر اليوم إلى منتصفه هادئًا ثم سمعنا صوته من صوب
مكتب السكرتارية محييًا الجميع في الإدارة.. وفور ظهوره مالت علي هويدًا متسائلة..
- هل هو المدير المالي؟
قلت في سرعة
- نعم هو المدير المالي للشركة..
طلت على قسماتها نظرة غريبة كأنها لا تصدقني وهتفت
- منذ متي وهو في هذا المنصب..
اجبتها أنه يعمل في الشركة منذ كانت مؤسسة صغيرة وقد نجح في الوصول إلى
هذا المنصب منذ اربعة أعوام تقريبًا.. رأيت عينيها تتفحصانه وانا أرنو بنظري إليه
متوقعه أن يأتي ليلقى علىّ التحية كما اعتاد.. لكنه اتجه مباشرة إلى مكتبه بعدما
طلب من السكرتارية أن تبلغ مسؤولة الموارد البشرية بعودته.. بعد برهة مرت الأستاذة
سميرة وطلبت من هويدا ان ترافقها ثم انطلقا إلى مكتبه في سرعة.. بعد دقيقتين خرجت
سميرة.. وتركتها بالداخل.. مرت ساعة تقريبًا أو ساعة ونصف وانا شبه محدقة في باب
غرفته التي لم يدخلها أحد منذ خروج سميرة.. بعد قليل جاءت هويدا وجلست إلى جانبي
وأنا أكاد اجن كي تخبرني ماذا فعلت في مكتبه كل ذلك الوقت.. لكنى فضلت إلا أُظهر
اهتمامي أما هي.. فقد فوجئت أنها صامتة تقريبًا ما زاد الأمر غرابة وهي التي لا
تفتأ تثرثر جل وقتها.. في اليومين التاليين لم يحدث الكثير سوي انه تقريبًا يجتمع
مع هويدا ساعتين على الأقل يوميًا.. ولما لم أجد بُد ملت نحوها في ود مصطنع..
- هويدا يا عزيزتي يبدو أن ضغط العمل قد زاد عليكِ في اليومين الماضيين..
يمكنني ان أساعدكِ إذا أردتِ.. ابتسمت وهي ترد
- بالتأكيد ولكني اعد تقريرًا مهما وقد أحطت بتفاصيله أخيرًا.. شكرًا
لك يا عزيزتي..
وأمسكت بسماعة الهاتف وطلبت رقمه وسمعتها بإذني تقول له
- "حامد أأ عفوًا أستاذ حامد التقرير جاهز"..
وقامت متجهة إلى مكتبه.. هنا أحسست ان الفضول سيقتلني وقمت ورائها
متعمدة ألا تشعر أنى اتبعها ووقفت مستندة إلي الجدار في البوفيه وأنا أعد قهوة
وهمية ناظرة نحو الجانب الزجاجي من حجرته من طرف خفي محاولة أن ارخي سمعي لما يقولانه..
دخلت هويدا ممسكة بتقريرها ثم فردته على مكتبه ثم دارت حتى وقفت بجواره واناخت
كوعيها على مكتبه وهي تشرح محتوي تقريرها وبدأت ألعنها في سري تلك المائعة ها هي
تحاول فتنته بحركاتها وكيف لها أن تناديه باسمه تلك الماجنة.. بعد قليل قام من
مكتبه متحدثًا أليها ورأيتها تمد يدها لتمسك بيده فسحب يده في حركة عنيفة محذرًا إياها
بعينيه.. فلم يكن منها ألا ان اقتربت منه وبدا عليها أنها تعتذر وهنا حانت منها التفاتة
نحو الجانب الزجاجي فالتقت عينانًا وعرفت انها أدركت أني أراقبها فأخذت الكوب
مسرعة إلى مكتبي وعندما عادت نظرت لها متسائلة فأجابتني بدون أن أسأل:
- تلك أمور لا نتحدث فيها هنا.. أقابلك الليلة بعد العمل في منزلك لنتحدث..
أومأت برأسي ولم نتبادل كلمة واحدة حتى أنتهى العمل.. توجهت إلى
المنزل وأرسلت لها رسالة بمكان البيت وأنا أخشى إلا ترد فأخبرتني انها في سوق قريب
وستتجه إلى بعد ساعتين.. قمت فأعددت المائدة لنجلس عليها وجلست في انتظارها اتصفح
شاشة هاتفي...بعدما بدا لي دهرًا قمت أفتح الباب على أثر دقات هويدا المتكررة.. وبينما
هي تدخل فاجئتنى بسؤالها:
- أرجو ان تكوني قد اعددت شيئًا للغداء فأنا جائعة جدًا..
أشرت إلى الطاولة التي وضعت عليها الغداء فكانت اشارتي كافية لتبدأ
وجبتها حتى قبل ان أجلس أنا.. فكرت في نفسي أنى لم اعرف هويدا إلا منذ التحقت
بالعمل من عشرة أيام تقريبًا.. تبدو أكبر مني على الأقل بسبعة او ثمان سنوات..
وشخصيتانا مختلفتان قطعيًا فهي مرحة ثرثارة إلى أبعد الحدود لا تكف عن أثارة
المواضع المختلفة ليس لشيء إلا لأنها تستمتع بالجدل.. وبمجرد أن انتهت من الطعام
قامت متجهة إلى الحمام الداخلي.. ثم عادت نصف مبتلة.. استلقت على الأريكة ثم توجهت
إليَّ بالسؤال وقد بدأت أشعر أنني الضيفة ها هنا وليست هي..
-ألديك مطفأة؟؟..
اتسعت عيناي متسائلة..
- هويدا أتدخنين؟
أخرجت من حقيبتها علبة سجائر وقداحة ذهبية وأشعلت سيجارتها وهي تقول ضاحكة..
- هل هذه اجابة كافية ام ماذا..
ناولتها المطفأة التي احتفظ بها كديكور للمكان.. ألقت رأسها للوراء نافثه
دخانها الأبيض وبدأت أنا أزيل أطباق الغداء وعدت أليها لأجلس على مقعد وثير
قبالتها ورأيت ان الوقت قد صار مناسبًا لتتكلم.. انطلقت تحكى لي عن معرفتها بحامد
وكيف انهم كانوا اصدقاء طفولة ثم زملاء جامعة واحسست انها لم تخبرني سوى بقشور
وأنى لم أقع بعد على السبب الذي يجعلها تزيل أي حواجز بينها وبينه.. ويبدو ان نظرة
عيني كانت كافية لتدرك انى لا أصدق أن ذلك كل ما هنالك.. فأسقطت قبضتها في راحتها المفتوحة ونظرت نحوي ثم اخبرتني أن هذا ليس كل شيء فعلًا.. فقد كانت تربطهما علاقة
عاطفية ولأنه كان يدرس لها بعض المواد التجارية في البيت فقد تطورت علاقتهما
كثيرًا ولم يفتها أن توضح انها كانت هي الطرف المحرك في تلك العلاقة فهو لم يكن
يتعمد أن يقترب منها وخصوصًا في أوقات الدرس وانطلقت منها ضحكة ماجنة هي تحكى لي
كيف تمت أول علاقة بينهما…. بينما كانت هويدا تحكى كانت عيني مفتوحة على اخرها
وانا لا اتصور كيف يمكنني منافسة تلك المرأة.. انها المجون يمشى على قدمين بكل ما في
الكلمة من معان.. جسدها الأبيض البض وميوعتها الفائقة حتى لتخالها ستغفو وهي تتحدث
إلى الرجال.. خبرتها الطويلة بالعلاقات مع الجنس الآخر التي صارحتني انها بدأت قبل
حامد بكثير.. ربما وهي في سن الرابعة عشرة او بعدها بقليل ثم بدأت تتأتأ في الكلام
فقلت لها بفم مشدوه..
- هل بعد ما قلتِه هناك ما لا يقال..
نظرت إلي وتابعت
- عندك حق.. كانت علاقتي به كاملة.. فهو عاطفي لحد كبير وكنت ممن لا
يستنكر عليه صداقاته للفتيات الأخريات بل على العكس كانت تثيرني تلك الصداقات
ودبرت غير مرة علاقتنا في وجود طرف ثالث..
كاد ان يغمي على من الدهشة التي اقتربت لحد الصدمة.. هذه الفتاة شعلة
متحركة.. ولم تترك لي المجال لأطلق العنان لصدمتي فأكملت:
- كنت أحب فيه أنه يحيطني بالمشاعر كما انه لم يبخل على أبدًا بل كان
دائمًا محتويًا لي واخذ على عاتقه أن يلبي طلباتي في أي يوم وفى كل وقت.. لكن كان
يعيبه في قاموسي عيب واحد
ولم تكن محتاجة لسؤالي عن ماهية هذا العيب فاستطردت
- أنه محب للامتلاك ويغار
- وهو ما لم أستطع أن اتعايش معه..
ثم تنهدت تنهيدة حارة.. أحسست بعدها انها ستنفجر في البكاء..
- حتى كانت فترة قضاها في رحلة خارجية لمدة اسبوعين تقريبًا.. وفى
تلك الفترة خرجت مع صديقة لي فإذا هو ميعاد مزدوج وكنت من العبث أني لم اغادر بل
قضيت مع صديقتي وصديقاها الوقت واتخذت مع هذا الشاب مجلس قريب منهم وقضينا وقت ليس
بالقصير.. وبعدما عاد من رحلته طلبت منه أن يزورنا في البيت فجاء ولاحظت نبرته
المختلفة تمامًا وحالما اختلينا اقتربت منه فمد يده وصدني وأخبرني..
- هويدا يبدو ان حظي العاثر قد جعلني اعلم بأمرك وصديقتك وبرغم تعلقي
الشديد بكِ إلا أنك يجدر بك أن تبحثي لنفسكِ عن رجل أخر..
فسقطت مغشية عليّ وبعدما أفقت كان قد رحل ولم يكلمني من بعدها ومر
على هذا الكلام اثنا عشر سنة تقريبًا وها انا أقابله في الشركة وحينما رأيتني
أتكلم معه فقد كنت أحاول ان استميله بكل الطرق فلو طلب مني أي شيء لفعلت حتى نعود
لسابق عهدنا فما عرفت رجل بعده قط منحنى هذا الاحساس بالاحتواء... أطرقت أرضًا
وانا احرك أصابعي في نسيج السجادة المرتفع.. فقطعت على صمتي قائلة:
- بالمناسبة انا اعرف أنك
تحبينه
اتسعت عيناي وانا أرد:
- ما.. ما الذي.. كيف أأ..
ضحكت ضحكتها الماجنة وهي تقول
- وفري كلامك يا عزيزتي فأنا خبيرة بتلك الأمور..
سارعت أصيح بها
- ولكنى اوقفته حينما رفضت أن أشاركهم رحلة الأقصر وأسوان..
هنا لطمت خدها حرفيًا وهي
تصرخ فيَّ..
- كانت بين يديك فرصة أن تقضي معه عشرة أيام من الاستجمام في الأقصر
وأسوان وفوتِّ تلك الفرصة..
أحسست ساعتها انني كنت في منتهي الغباء حين رفضت المشاركة في الرحلة
لكن وقت الندم قد فات.. قامت وهى مازالت تتمتم ..
- يا لك من بلهاء.. سامحيني يا عزيزتي فأنا أريد هذا الرجل وسأفعل ما
بوسعي لأستعيده او على الأقل أحصل على جزء منه لنفسي..
رأيت في عينيها التصميم وأي مبارزة قد افوز بها وأنا انازل هذه
المخضرمة ولكني لن اختلي عنه بهذه السهولة.. فتنحيت افسح لها طريق الباب ... وقبل
ان تغادر بثواني سألتها
- وما قصة بقائك في المكتب ساعة او ساعة ونصف يوميًا..
ضحكت ضحكة اقل ما يقال عنها انها رقيعة وهي تقول
- يا ليته ما في ذهنك يا عزيزتي للأسف لا.. فنحن نعمل على تقرير
التمويل للمشروع الجديد ولكني سأخبرك ان حدث ما اتمناه ولا تتمنيه.. سلام..
أغلقت الباب واستندت بظهري عليه شاردة ثم انطلقت إلى هاتفي المحمول
متصلة به.. ولم يرد لمرات عديدة زادت عن العشرة وبمجرد ان رد وسمعت صوته على
الجانب الأخر هتفت..
-انا آسفة …
***
No comments:
Post a Comment