عزيزتي نجلاء..
لقد مر وقت طويل منذ خطابنا الأخير ولكن تلك هي الايام وطبيعتها..
تفرقنا بعدما كنا لا نترك بعضنا لحظة واحدة.. كيف حالك.. هل تعرفين من قابلت
مؤخرًا.. لن تصدقي.. حامد يا نجلاء قابلت حامد.. أعرف أنك الان تقولين أنى
محظوظة.. نعم أنا كذلك.. مازال هو هو.. لم يتغير.. سأحكي لك كل شيء بالتفصيل.. انت
طبعًا لا تعرفي ما كان بيني وبين حامد وقبل ان انضم الي مجموعتكم بالكلية.. دعيني
احكي لك يا عزيزتي..
يبدو وكأن كل هذا حدث منذ وقت بعيد تعودت أن ألتقي حامد في أروقة
الكلية بين المحاضرات نتبادل بعض الجمل القصيرة.. لم يكن يخفي على أنه معجب بي ولكنه
كان شديد الحرص على ألا أرفضه لذا لم يصارحني أو يلمح للأمر بأي كلمة.. كانت
طريقته في الرسم تعجبني وأحيانًا بعض كلمات النثر الذي يكتبه.. لكنه في النهاية
كان بالنسبة لي واحدًا من معارف الكلية..
بعدما التحقت أنت بالمجموعة التي هو واحد منها صرت ألتقي به كثيرا في
مكاننا بالساحة الكبيرة.. كان مرحًا كمرح الشباب في تلك الفترة من عمرهم لكنه كان
يحتوي جميع من يحيطونه.. يكلم هذا وتلك ولا يتوقف عن الضحك لذا كان له مكانة مميزة
بيننا.. بالمناسبة أنا اعرف أنك كنتي تميلين إليه.. لا تقلقي لم اقل له.. لكنه يستحق
فهو شخصية ظريفة إلى حد كبير..
في أحد الأيام قابلته بالصدفة أمام المسرح الكبير.. كان واقفًا يحاول
الاتصال برقم ما حييته وأخبرته أني سأحضر عرضًا ما بالمسرح ولكنه سيبدأ بعد ساعة
تقريبًا فهل يمانع في ان يشاركني كوب من الشاي..
كان ودودا كعادته ولا يعرف طريق لكلمة لا.. فهز رأسه موافقة.. اقترحت
عليه مقهى المسرح وسار معي نحوه.. بعدما لمح أن سعر المشروبات مرتفع بهذا المقهى..
قلت في دلال
- لقد اعتدت ان أجلس فيها كلما جئت إلى هنا..
وفي الحقيقة أني بالرغم من جلوسي بذلك المقهى مرات عديدة إلا انني لم
ادفع أي نقود في تلك المرات انت تعرفين ذلك يا عزيزتي لكنني لذا لن استرسل كثيرًا..
ابتسمت في داخلي لهذا الخاطر وانا أقول
- سأتكفل بالحساب فلا تقلق..
كنت متأكدة انه لن يوافق وأني كالعادة لن اتكلف شيئًا.. عظيم هو هذا
المجتمع الشرقي الذي نعيش فيه.. فهو يمنحني تلك الميزات كوني امرأة فلي الأولوية في
كل شيء فضلًا عن عدم تكليفي بأي شيء مستعملة بذلك حيلي الأنثوية.. أضيفي إلى هذا
مطالبتنا بالمساوة صباحًا ومساء..
بعدما جلسنا سألته عن احواله وانا أتابع نظراته لملابسي وملامحي..
هذا الرجل يكن لي إعجابًا لا يمكن أن تخطئه عين امرأة.. ولكني تجاهلت هذه النظرات
كالعادة وانا أسأله
- والان أخبرني ما هو الجديد في حياتك وهل انت مستقر في الشقة التي
استأجرتها هذا العام ..
كان قد أخبرنا كما تتذكري أنه قد استأجر شقة قريبة من الجامعة بعدما
ترك المدينة الجامعية مضطرًا في العام السابق.. فبدا وكأنه انتبه إلى شيء ما
وانتفض قائما وهو يهتف
- يا إلهي لقد نسيت..
سألته مستغربة رد فعله على سؤالي
- ما الأمر..
لم يرد على مباشرة وامسك بهاتفه واتصل على رقم ما.. ربما مرتين او
ثلاثة حتى جاءه الرد.. رد في لهفة
- هل أكلتِ؟
همهم بضع مرات ثم أغلق الهاتف وقال متحرجًا
- أنا مضطر ان أذهب الآن نتكلم في وقت لاحق..
قام وقد أشار للنادل فنقده الحساب وتركني جالسة.. احسست بالغضب
الشديد عندما غادر.. ما هذه الوقاحة كيف يجرؤ هذا الشاب على أن يتركني هكذا وانا
من يتسابق الشباب على مرافقتي..
كنت في غاية تأنقي وأنا اعرف كم أن هذا ملفت.. حتى انني تلقيت في
طريقي للمسرح الكثير من المعاكسات التي تمتدح هيئتي ومشيتي.. وهذا الوغد يتركني
ويرحل بعدما طلبت منه ان يشاركني القهوة.. أحسست بإهانة شديدة وباني لن اترك مثل
هذا الأمر يمر مرور الكرام..
بعد يومين قابلته في الساحة كالعادة فأشرت له فحياني قلت له أني
احضرت بعض الشطائر وأني أرجو ان يشاركني إياها فاعتذر في ذوق.. لكني جلست بجواره
ثم سألته..
- حامد.. ماذا هناك؟ ولماذا غادرت مسرعًا اول أمس هل كل شيء على ما
يرام؟
- نعم كل الأمور بخير
فاستفسرت في فضول لم أستطع كتمانه..
- هل لي ان اعرف من كنت تكلم في الهاتف؟! هل هو أحد أفراد اسرتك..
بدا متحفظًا وهو يقول
- في الواقع لا..
ثم أطرق ساكنًا وبدا عليه التفكير.. أحسست أنه يريد ان يتكلم مع أحد
وان هناك ما يثقل كاهله.. كما أخبرتك قبلا لم تكن علاقتنا بهذه القوة لكنه بدا
يتكلم على أي حال قال لي..
- كان لي صديق في المرحلة الثانوية اسمه وليد لكنه صانع مشاكل ويقع
في مشاكل خطيرة إلي حد ما حتي جاء يوم من الأيام وراني أرسم في كراسة لي فاستحسن
رسمي وابتسم علي غير عادته مع باقي الطلبة وطلب مني ان أرسم له امرأة عارية في
اوضاع مختلفة ففعلت.. بدافع الخوف من بطشه في الحقيقة.. أُعجب وليد بالرسوم للغاية
وصار يجلس بجواري من وقت لأخر يطلب مني ان أرسم أي شيء ويستمتع برؤية سرعة حركة
قلمي وتصويره الحي..
وبينما كانت صديقته وأسمها حسناء تتعجب كيف لشاب مثله ان يجلس بجواري
أنا حامد المسالم حتى سألته أمامي في وقاحة لماذا تجلس بجوار هذا الولد فصفعها
وليد بكل بساطة محذرًا اياها أني صديقه وان عليها ان تحترمني كما تحترمه هو
تمامًا..
كان الأمر إلى حد كبير في مصلحتي فبالرغم من أنى أتجنب المشاكل إلا
انها كانت تعرف طريقها اليَّ أحيانًا.. وبوجود وليد بجواري صارت تلك المشاكل تهرب
من أمامي حتى انقضت ايام الثانوية وفرقتنا الأيام..
وفي السنة الحالية قابلني وليد صدفة وبعد السلامات الكثيرة تبادلنا أرقام
الهاتف.. منذ خمسة أشهر تقريبا اتصل بي وليد وسألني
- أين تقيم الآن؟
فأخبرته بأمر تركي المدينة الجامعية واني أقيم منفردًا في شقة قريبة
من الجامعة طلب مني وليد ان يقيم عندي لعدة ايام حتى يتدبر أمره فوافقت فورًا
وفاءًا للعشرة القديمة..
فاجئني حضور وليد بصحبة حسناء صديقته من أيام الثانوية إلى شقتي..
كان الامر محير بالنسبة لي لكن وليد ألقاها في بساطة وكأنه شيء طبيعي
تماما.. يبدو أن حسناء ستقيم معنا حتى أرحل فهي ليس لها مكان أخر تذهب له.. بدا
الأمر بالنسبة لي محير تماما.. وليد وحسناء واقامة في شقتي..
قلت مستفسرة..
- ولكن ما حكيت لي لا يفسر انتفاضتك ورحيلك المفاجئ في ذلك اليوم..
قال معقبًا متوقعًا سؤالي..
- هذا ليس كل شيء.. بعد عدة اسابيع من إقامة وليد وحسناء معي وعلى
الرغم من عودة وليد احيانًا بجرح في ساعده أو رضوض في وجهه إلا أنه كان دائمًا ما
يحضر الطعام في طريقه ويشكرني على تنظيف غرفته عندما أفعل..
أما حسناء فهي لا تغادر البيت ابدًا وليس لديها هاتف جوال ولا تقضي
وقتها إلا في متابعة التلفاز أو بصحبة وليد في غرفتهما..
حتى كان ذلك اليوم الذي قال فيه وليد انه سيغيب عدة أيام في مسألة
شخصية وأخبرني أن اهتم لأمر حسناء ريثما يعود.. وقد مر على هذا اليوم ثلاثة أشهر أو
يزيد.. لم يظهر وليد أو يتصل او حتى يعرف عنه أي خبر..
خلال تلك الفترة ولأن حسناء تعتمد على تمامًا وضعت على عاتقي أن أهتم
لأمرها.. في البداية وفاءا لوصية وليد ولكن اقامتي معها.. جعلت لها طريقًا إلى قلبي..
ولأنها وعلى الرغم من جمالها الباهر لا تهتم إلا لأمر من يرعاها..
تبغض التكنولوجيا وتقضي جل وقتها تسألني عن هذا وذلك بالضبط كطفلة تسأل والدها عن
هذا وذاك فمال قلبي لها كثيرًا..
أرأيت يا عزيزتي.. مسكين حامد فهو شفاف للغاية.. كيف له ألا يسأل تلك
الفتاة عن ماضيها وما الذي جمعها بشخص كوليد.. لكن يبدو لي أن تلك الفتاة قد
استأثرت به تمامًا.. فقد كان يحدثني وعينيه تتطلع لساعته من فينة لأخري.. ثم انتفض
معنًا أنه مضطر للعودة للبيت ليأكلا سوية..
لم يعجبني الأمر وقررت أن استعيد حامد.. استعيد اهتمامه بي وتطلعه
للجلوس معي.. كيف لتلك الفتاة ان تأخذه مني.. خالجتني غيرة شديدة ملكت على تفكيري..
في الأيام التالية بدأت أراقب تصرفات حامد وأنا أضع خطتي للاستحواذ عليه مرة اخري
فدعوته لحفلة في نادي الجامعة بصحبتي فاعتذر.. ودعوته لرحلة تقيمها الجامعة على
حسابي فاعتذر.. لم يبقي في يدي حلول اخري.. ولمعرفتي بتفوقه في علم الاقتصاد طلبت
منه ان يشرح لي بعض الدروس.. فوافق.. فاقترحت فورًا أن يكون هذا في شقته القريبة
من الجامعة.. لم يبد مندهشًا وحدد لي ميعادًا يمكنني زيارته فيه..
في هذا اليوم تأنقت وتعطرت كما لم افعل من قبل.. وصلت إلي باب الشقة
المتواضعة وطرقته. في بيجاما رجالية فتحت لي الباب حسناء.. يا إلهي.. هذه ليست فتاة
انها آلهة الجمال.. وكل هذا بدون مساحيق تجميل.. وكما تعرفينني فأني أخفي غيرتي
جيدًا.. دخلت ثم
بعد دقيقة خرج علينا حامد.. رحب بي وجلسنا في حجرة صغيرة وبدا يشرح
لي ما أردت..
في الجلسة التالية بدأ حامد يشعر بالتقارب بيننا
حتى انه صارحني بمسألة الإعجاب بي في السنة الأولي.. بدأ
بيننا جو من التحرش الغريب والذي كان يثيرني للغاية..
كنت امد يدي نحوه وهو جالس بجانبي فألمسه من وقت لأخر فيما يبدو لمسة
عفوية وكان هو يقترب من وجهي وهو يكلمني حتى اشعر بلفح انفاسه على رقبتي كأنه يكاد
يقبلني وفي بعض الاحيان كانت المشاعر تنفلت فأقبله ثم اعتذر له عن انفلات تصرفاتي..
لم يتوقف الموضوع عند هذا الحد.. حتى كان يوم اخبرته أني أريده وأنه
يثيرني كان الكيل قد فاض في قلبي وصرت فعلًا أشتهيه.. تقبل الأمر ببساطة لكنه ويا
للعجب أيضًا لم يطلب أن يرتبط بي.. أو يعلن عن مشاعره نحوي بشكل عاطفي.. بل استجاب
لي وصرنا نتداعب بكل الطرق ليطفئ رغبتي بأفضل الاساليب كان لطيفًا لكني أردت دائما
ما هو أكثر..
مرت على تلك الاحداث أكثر من عشر سنوات الآن يا عزيزتي.. وها انا ذا مسؤولة
التصدير في اهم شركات الغزل والنسيج في المدينة.. تلك الوظيفة التي احتاجت الكثير
من مؤهلاتي الانثوية وليس الجامعية للأسف حتى ألتحق بها..
قابلته صدفة بعدما لجأ مصنعنا لشركته بسبب سمعتهم الجيدة في السوق بمجال
التصدير وإنجاز المعاملات في اوقاتها المناسبة.. بعد السلامات..
هالني تغير حال حامد يا نجلاء فقد صار رجلًا جذابًا بملابسة الرسمية
دائما وحديثه الجاد وأسلوبه الذي يجمع بين الهدوء والعملية.. وأدهشني حينما زرت
شركته لتسوية بعض الامور هاته الفتيات والسيدات الذين يحيطون به..
أنهن جميعهن أو أكثرهن فراشات يطرن حوله.. يعاملهن بود وتعاملنه
بامتنان لا يطلب طلبًا ويتأخر ولو لثواني لاحظت ايضًا نظرات الاستهجان من بعضهن
بينما امضي الوقت معه في مكتبه الزجاجي.. ولم يكن حال الرجال يختلف كثيرا عن
النساء في هذه الشركة فكلهم تقريبا يبادلونه التحيات والنكات طوال الوقت..
يا الله كم تغيرت يا حامد.. كانت فرصة جيدة لنتناول الغداء سويا
ونقضي بعض الوقت لمناقشة العمل وغيره.. دعوته للغداء فوافق ببساطة وقال
- سأستضيفك في مطعم السلطعون الاحمر إذا كنتِ تحبي اللحوم البحرية..
تنبهت على كلمته من شرودي في الايام الخالية عندما كان حامد طالبًا..
لم يكن فقيرًا لكنه ليس ميسورا كذلك وكان طلب وجبة في اي مطعم قد يضطره لأكل الفول
والفلافل لأسبوعين على الاقل.. ابتسمت وقلت له
- بالتأكيد أحب السلطعون وساحبه أكثر إذا اتناوله بصحبتك..
كنت اتغنج يا نجلاء لسبب لا ادريه ربما لإثارة غيرة هاته الفتيات
اللاتي طفقن يرمقنني طوال الوقت.. وعندما سلمت عليه مغادرة رد على بنفس الأسلوب المسرحي
الذي أعتاد ان يفعله ايام الجامعة..
- شرفتينا يا جناب الاميرة..
ورفع يدي لفمه فقبلها.. سرت تلك الرعشة في جسدي رغمًا عني واحسست بها
تستقر أسفل بطني.. ابتسمت في حرج وانا أرمق الحاجز الزجاجي الذي يفصل المكتب عن البوفيه
وبعض العاملين ينظرون نحونا بطرف خفي.. غادرت مسرعة فأوصلني لباب المصعد..
في السادسة كنت أصل للمطعم فوجدته جالسًا على منضدة في القسم
المميز.. يرتدي حلة رمادية بدون ربطة عنق.. كنت قد تأنقت كعادتي وان أحببت ان اضيف
القليل من أجل لقائي به.. ارتديت فستان طويل بحمالات على الكتف باللون الاحمر
بفتحة طويلة من الخلف وصدر مكشوف ومن فوقه جاكيت باللون السكري وعقصت شعري للأعلى بنفس
الوضع الذي كان دائما ما يشير انه يعجبه وارتديت سلسة تتدلي لما بين نهدي وكأنها
تشير لهما.. انت تعرفينني عندما أريد ان اتأنق.. تبدو كصنعة لي أجيدها واتفنن فيها..
انطلقت من فمه صافرة الإعجاب التي اعتدت أن اسمعها حينما اذهب لكني
كنت سعيدة انها جاءت منه لدرجة أنى أظن ان وجنتي قد تخضبت باللون الأحمر..
ما هذا الشعور.. ولماذا يهمني أن يعجبه هندامي وتأنقي لهذا الحد..
طلب الطعام وقد أضحكني عندما قال لي ان هذا المطعم لا يقدم الا السلطعون فقط..
وعندما جاءه لأول مرة وسأل عن قائمة الطعام لم يجد وأخبره النادل
أنهم يقدمون فقط السلطعون الأحمر ولذلك سمي المحل بهذا الاسم.. كان الطعام لذيذًا..
وحالما انتهينا سألته مباشرة..
- حامد.. هل تذكر حسناء..
بدا الوجوم على ملامحه.. ثم قال..
- بالطبع. حسناء لا تنسي..
أصابني رده هذا في مقتل.. هذا الرجل.. لماذا قال تلك العبارة.. جعلني
أحس أنى غير موجودة في المكان.. فعاندت شعوري بالغيرة والغضب وانا اقول له
- أخبرني عنها ماذا حدث.. لقد فرقتنا الايام ولم اعلم ماذا حدث لها ولصديقك..
قال حامد وقد بدا على صوته الآسي..
- وليد غاب لفترة طويلة حتى ظننا انه لن يعود وبدأت حياتي تستقيم
بوجود حسناء فيها.. حتى اننا كنا نعيش كزوجين بكل ما تعنيه الكلمة..
وجاشت عواطفه في تلك اللحظات فانحدرت دمعة من عينه لكنه مسحها بطرف
يده ثم أكمل..
- في نهاية العام الذي قابلتي فيه حسناء كان مقررا ان اعود بعد نهاية
الدراسة لكني لم افعل واستقرت حسناء في شقتي تلك السنة والتي تليها وعملت في الصيف
لأسدد الإيجار وأوفر ما قد نحتاجه انا وهي ..
عرفتني على العاطفة والحب والشهوة واللذة والاستقرار.. أربع سنوات
مرت كأربع ايام كانت الفتاة المثالية لي.. أحببتها حقًا.. اسعدتني ولبت كل رغباتي
وطلباتي وحتى ما لم أكن اطلبه..
كل ما كان يؤرقني هو كيفية علاقتها بوليد.. كيف بدأت واين أهلها
ولماذا تقيم معه هكذا.. لكنها لم تجب على أي تلك الاسئلة أبدًا كنت كلما سألتها
ردت في عفويتها الشديدة.. هل سألتك أي اسئلة عن ماضيك حامد.. وعندما اجيب بلا..
ترد في هدوء.. أرجوك لا تسألني أي أسئلة عن ماضيي انا الأخرى.. ارتضيت بهذا الرد
وربما كان تعلقي بها هو السبب.. لكني كنت قد قررت ان ارتبط بتلك الفتاة للأبد..
قلت مستفهمة..
- حسنا ولماذا لم تتزوجها طالما احببتها هكذا..
نظر نحوي بحسرة وقال..
- تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن يا عزيزتي.. في السنة الرابعة
وبينما كنت استعد لامتحان التخرج.. عدت عصر أحد الأيام لأسمع صوت في حجرة حسناء
وكأن هناك رجل دخلت مسرعًا فوجدتها تجلس على رجلي وليد الذي يداعبها وكأنه تركها الامس..
نظر لي وليد وكأنه لم يغب للحظة وهو يقول..
- حامد.. لماذا دخلت الحجرة بدون ان تطرق الباب..
رددت فورًا
- اسف ظننت ان هناك غريبا بالبيت..
ابتسم لي وهو يقول
- كنت اعرف أنك ستحمي حسناء
وتحفظها لي حتى اعود..
سكت.. جبنت.. لم أستطع ان اقول له لماذا تركتها ثلاث سنوات كاملة
والان تعود وكأنك رحلت بالأمس.. كانت هي جالسة على رجليه في استكانة ورأيت بعيني
دموعها التي ظنها هو دموعًا للفرح.. تبادلت معها بعدها حوارا واحد وسألتني لماذا؟!..
اذا كنت تريديني لماذا لا تأخذني!!..
أخفيت عنها أن كل ما شعرت به هو الضعف والجبن واني لم أستطع أن أواجه
وليد.. مطت شفتيها بامتعاض وقالت أنى لا استحقها..
رحلت في اليوم التالي هي ووليد بدون حتى أن تسلم على وبعد اسبوعان
تقريبا جاءني ليلا رجل سلمني حقيبة صغيرة وقال انها من صديق لي وهو يبلغني تحياته ويشكرني..
فتحت الحقيبة فإذا بها عشرون ألف جنيه وفي هذا الوقت انت تعلمين أنه كان مبلغًا
كبيرًا جدا لم اصدق نفسي وفرحت بالمال الذي اعرف مصدره وان كان حزني على فراق
حسناء وما آل اليه الوضع نتيجة ضعفي وخوفي طغي على فرحتي بالمال..
ومرت السنوات وها انا ذا اتذكر كل تلك الاحداث لأحكيها لك وهي مازالت
تؤلمني أيما ألم.. نظرت نحوه في شفقة.. قلت له
- على الاقل انت تعترف لنفسك أنك جبنت.. أما أنا.....
نظر نحوي مستفهمًا..
- ماذا عنك.. انت وكما يبدو للناظر فتاة مدللة تعيش في دعة وسعة..
كان دوري لابتسم وانا اقول له..
- حامد ارجوك.. كان يمكن ان اقبل منك هذا التفكير ايام الجامعة اما الآن..
اظن أنك كبرت وفهمت.. لم أكن ثرية ولا ميسورة ولم يكن لي رأس مال سوي جمالي الذي
استثمرته للأسف بكل الطرق..
تساقط الرجال كالذباب في مصيدة العسل.. وصرت احصل على ما اريد وقتما
أريد امنح القليل واخذ الكثير ولكن هذا القليل جعلني كعاهرة تقبض على فراشها كراء فرجها..
اتسعت عيناه في دهشة من كلامي وعندما اجهشت بالبكاء رغمًا عني ضمني
غير عابئ بالمكان ولا رواده.. ألقيت رأسي على صدره وبكيت وبعدما عبرت نوبة البكاء
طلبت منه ان نغادر فانطلقنا لسيارته بعدما سدد الحساب..
في السيارة أخبرني عن سينما السيارات التي افتتحوها في حزام المدينة
الغربي فقلت أنى اود ان اقضي بعض الوقت معه فيها.. ذهبنا لهناك حيث كانت ساحة
كبيرة للسيارات في نهايتها شاشة عملاقة للغاية والمكان واسع لا يمكن بسهولة رؤية
نهايته من اوله..
سدد حامد رسوم الدخول وابتاع بعض المرطبات والمسليات وعاد للسيارة..
كان الفيلم قد بدأ اقتربت منه وتلاصقنا نشاهد الفيلم وانا اريح يدي على فخده كالأيام
الخوالي وامتزجت شفتانا في قبلات بدت هادئة لكنها كانت ككلمات نتبادلها تعبر عن
مشاعر طال عليها الزمن.. مر علينا الوقت كثواني..
بعدما انتهي الفيلم غادرنا.. اوصلني لبيتي وبعدما ابدلت ملابسي
وارتديت منامتي.. جلست على سريري ثم هاتفته.. شكرته على اليوم المميز وصارحته أني
استمتعت بوقتي كما لم أفعل من قبل.. كان لطيفًا ودودا كعادته وبدا صوته لي كموسيقي
تستعذبها أذني.. طلبت منه ان يتكرر لقاؤنا مرة اخري فأجابني بالتأكيد ووعدني ان
يكون ذلك قريبا جدا.. وضعت الهاتف على الطاولة بجانب السرير واستلقيت على ظهري وتكررت
في عقلي تلك اللحظات القصيرة الجميلة التي قضيتها معه في السيارة حتى غلبني
النوم.. فنمت.
***
No comments:
Post a Comment