لم تكن لدي خطة.. وكنت قد قررت أنه قد حان الوقت للمرحلة الثانية في
علاقتنا.. فكم من مرة لعبت بخيالاتي وهي تمر جيئة وذهابًا في المكتب الكبير أو
بينما نحن نجلس في المقهى المقابل للحديقة الكبيرة.. وقررت إلا أدع المجال لصدفة
تأخرت كثيرًا.. تكلمت مع المدير العام في أمر مناسبات تجمع العاملين ولو مرات معدودة
سنويًا لتزيد قوة العلاقات بينهم وتصب في مصلحة العمل..
وقد رحب الرجل بالفكرة وطلب منى أن أقوم بالتنسيق واختار مساعدًا من
القسم.. وكانت تلك هي فرصتي فهي تعمل في نفس قسمي وان قررت أن تكون منسقة
المناسبات فلا تستطيع الرفض.. وبالفعل عقدت اجتماعًا للقسم حضره الجميع وها انا
أخبرها أنها ستكون المنسقة.. لاحظت في البداية استيائها وأن كنت لا اعرف هل هي
مستاءة لأني لم أخبرها بالموضوع قبل ان اطرحه في الاجتماع ام انها لا تريد ان تعمل
به.. على كل الاحوال كان عليها ان تقبل ولا تناقشني في الموضوع امام
الزملاء..
بعد الاجتماع جاءتني في مكتبي وأخبرتني بسبب استيائها.. وهو انها تظن
ان الزملاء يعتقدون ان بيننا علاقة خاصة فأجبتها:
- وهل يضايقك ذلك فعلًا؟!
توقفت ثانية وبدا أنها تفكر لكني فوجئت بها بدون تردد تقول
- لا البتة لا يضايقني ذلك أبدًا..
فابتسمت لها وخرجت في هدوء.. في اليوم التالي احضرت لها مجموعة من
قوائم المطاعم لتعمل على اعداد قائمة بالتكلفة والعدد المتاح واخبرتها أني اريدها
في نهاية اليوم.. دخلت عليَّ منذ ساعة تقريبا ومعها القائمة وفوجئت بها تخبرني ان
هناك حفل في دار الاوبرا القريبة من المطعم الشهير.. ويمكننا ان نرتب حضور
المجموعة للحفل ثم ان نتوجه للمطعم فيما بعد وتكون امسية طويلة ممتعة.. اعتمدت
المنشور الذي اعدته وقامت بتعليقه في لوحة اعلانات الشركة ويبدو ان الجميع كانوا
متعطشين للاشتراك حتى انها وبعد ساعة واحدة أخبرتني ان كل موظفي المكتب قد سجلوا
اسمائهم في جدول المناسبة.. ابتسمت لها وأنا اعاين ملامح قدها الفائر الذي تظهر
انحناءاته من تحت ردائها الرسمي ويبدو إنني أطلت النظر لأنها تنحنحت في حرج وقالت
- بقي فقط ان نرتب حجز التذاكر وطاولات المطعم
قاطعتها في هدوء وقلت..
- حسنًا كيف تخططين ان تذهبي لدار الأوبرا..
قالت إنها ستستأجر تاكسي ليوصلها.. فأخبرتها أن لا داعي سأوصلك أنا
إلى هناك.. ابتسمت في خجل وقالت كالعادة أن لا داعي للمشقة.. أصريت حتى وافقت
وسمعت من صوتها نبرة شكر على مبادرتي ما شجعني لأكمل أنى سأوصلها كذلك للمطعم
وسأعيدها للبيت في نهاية اليوم فوافقت.. حتى الآن الأمور تجري في مسارها المحدد..
ارتديت واحدة من حللي الرسمية وقدت سيارتي الى أسفل بيتها وبينما ترجلت إلى مدخل
البناية ارسلت لها رسالة فردت وكأنها كانت تنتظرها دقيقة واحدة واكون عندك.. ولم
تمر الدقيقة تقريبًا ورأيتها تخرج من باب المصعد بفستان قرمزي اللون له فتحة صدر
مربعة مطرزة بحلة ماسية كأنها قلادة تحيط بجيدها و يظهر جانبا شديدًا من الأناقة
وكعادتها في اختيار ملابسها كان الفستان ضيقًا بأناقة ومن ركبتيها لحذائها عالي
الكعب ظهرت ساقاها كقطعتين من البلور وقد وضعت على رأسها تاجًا من الفضة مرصع
بماسات صغيرة جعلها صورة للفتنة والدلال فابتسمت رغمًا عنى وانا أصفر صفير قصير..
ابتسمت في دهشة وهي تقول..
- مبالغ فيه أليس كذلك..
فكان دوري لأرد في قوة هذه المرة
- ماذا تقولين ...أنت اليوم آية في الجمال..
قالت بلهجة أعجبتني
- أعرف ذلك..
سرت بجوارها وساعدتها لتجلس في المقعد المجاور لي فجلست وقد انحسر
فستانها عن جزء من ساقيها تعلوهما جواربها الشفافة فأحسست بمشاعري تتحرك رغمًا عني
وانا جالس أمام المقود.. وبينما كنت احاول التركيز على الطريق كنت اختلس النظر
أليها وهي جالسة إلى يميني وعطرها ينساب إلى تلافيف مخي وسألت نفسي وقتها ما الذي
يدور في رأسها الجميل هذا وهل من المعقول انها لا تري هذا الميل إليها فى عيني
كلما تطلعت إليها.. بعد دقائق تمنيت ان تطول وصلنا إلي دار الأوبر وهناك وجدنا جمع
من الزملاء الذين سبقونا فتوجهنا إلي ممشى محيط بالمكان وسرنا بعض خطوات ننظر
للمبنى الكبير القابع في مكانه منذ الخمسينات من القرن الماضي وهنا ملت على أذنها
وهمست.. أتعرفين أنك بغاية الجمال اليوم وبينما نحن في بداية الليل إلا أنك تشرقين
كشمس النهار.. ضحكت في سعادة وأجابتني مبتسمة..
- يبدو أنك تجيد الكلام كما تجيد العمل استاذ حامد
منحتها ابتسامة فيها اقصى ما أستطيع من ود وانا اجيبها..
- ليس معنى ان نكون زملاء عمل ألا أرى هذه الفتنة التي تسير بجواري..
التمعت عيناها وهي تجيبني أنها ليست معتادة على الخروج مساًءًا وأنها
منذ انتقلت إلى مدينتنا قادمة من العاصمة فهي تخلد للنوم في العاشرة مساءًا مهما
كانت الظروف فقلت ان ذلك ولابد سبب نضارة بشرتها التي تنبئ بملمس كبشرة الأطفال..
ضحكت ضحكة قصيرة وهي تقول:
- كلماتك كلها تحسسني كأنك تحيط بي تمامًا..
فقلت في ثقة..
- هو ذلك يا عزيزتي..
كان بقية الزملاء قد وصلوا إلي المدخل الكبير لدار الأوبرا فتوجهنا
جميعًا إلي بوابة الدخول وبينما تقدم هي التذاكر للمسؤول لاحظت انها حجزت لنا مقعدين
متباعدين.. ظهر على وجهى الاستياء ولاحظت هي ذلك فابتسمت بنظرة جذلة كطفلة تلعب..
دخلنا الصالة وبعد دقائق قال الاستاذ عبد المعطى حجازي جاري في المقعد..
- ما هذا تحجزون لكل الزملاء مقاعد في المقدمة ويكون من نصيبي أنا
هذا المقعد في هذا المكان المعزول من المسرح من المسؤول عن هذه المهزلة
أسرَعت هي إليه في خفة ترجوه ان يخفض صوته ألا انه استمر يرغى ويزبد
عن خدمته للشركة خمسة عشر عامًا وكيف انه في مناسبة تضم جميع الزملاء يكون مقعده
في المؤخرة أبدت اعتذارها الشديد وبان على وجهها انها ستبكى وهى تقول انها غلطتها
هي فبدأ كانه سيعتذر وسيبقى في مكانه فما كان منها إلا ان ابتسمت في براءة وهى
تطلب منه ان يبدل مقعده معها لأنها تعانى من طول نظر يمنعها رؤية الأشياء من قريب
وهى تضيق عينيها في صورة مضحكة فوافق في سرعة على البدل وقادته عبر ممر الكراسي
حتى استقر على كرسيه بين الزملاء وهى يردد قصته عن الخمسة عشر عامًا وبقية الزملاء
يرجونه ان يسكت لأن البرنامج سيبدأ الآن.. ملت على أذنها للمرة الثانية في هذه
الليلة وانا أقول بفخر هذه المرة..
- لم أكن اعرف أنك ممثلة بارعة لهذه الدرجة..
قالت من بعض ما عندك يا مستر ولا تنسى أنك صاحب الأمسية وان بدا إنني
كذلك.. واستلقت على المقعد بجواري وأرخت يديها على مسندنا المشترك فما كان منى ألا
انى وضعت يدي بجوار يدها مستمتعًا بدفئها اللذيذ ورحت اتابع البرنامج وكل حواسي في
كتفانا الملتصقان وأناملي التي بالكاد تلامس اناملها وعند الاستراحة سألتني وهي
تقوم بخفة..
- هيا بنا نحرك أرجلنا فقد تعبت من الجلوس الطويل..
اتجهنا نحو منطقة الاستراحة وبينما وقف البعض يثرثر او يدخن لاحظت
سعالها ولمحت بطرف عيني شرفة جانبية بدا لي زجاجها مشرع فاتجهت ناحيتها ودفعت مقبض
الباب فانفتح فأشرت أليها واضحكني شكلها وهى تنسحب من بين الجمع متجهة ناحيتي وهى
تمشى بظهرها تقريبًا وما ان وصلت الى باب الشرفة حتى عبرته في خفة وبهدوء اغلقت
الباب ورائها وصرنا وحيدين في هذه الشرفة المطلة على حديقة دار الأوبرا الساكنة
وكانت ليلتنا مظلمة بلا قمر وان كان بعض الضوء يصلنا من تحت ستائر الشرفة السميكة
هذا ان استثنينا ضوءها هي الذي كان يشع كنجمة في ليلة ليلاء تلفتت حولها في شبه
الظلمة وقالت في خفوت
- كم نحن محظوظان فهناك ما يشبه الأريكة يبدو انت صاحب القصر
أستخدمها لجلساته في تلك الشرفة..
وتوجهنا إليها.. وقبل ان تجلس مددت يدي وامسكت بيديها وقربتها منى
ونظرت لي نظرة حالمة وهي تغمض عيناها في رقة فوضعت يدي على خصرها وقبلتها ولم أزد
عن ان ضممتها لي برقة وانا مازلت لا اصدق انها هي التي بين يديَّ برائحتها العطرة
المريحة وبشرتها الناعمة وصوت تنفسها المتقطع حتى ظننت انها لن تقو على الوقوف..
أجلستها على الأريكة وانا انظر في عينيها التي التمعتا بالرضا وجلست بجوارها
ممسكًا براحة يديها وقبلتهما في سعادة.. وبرغم اننا لم نتبادل كلمة واحدة إلا أن
قبلتنا كانت قد قالت كل الكلام الذى في صدري لها وبينما اساعدها على الوقوف لنعود
الى الداخل حاولت احتضانها من ظهرها فانفلتت من يديَّ وهى تبتسم وعدنا للداخل
وبينما انتهى العرض كانت يدانا متشابكتان وانا اشعر بدفء راحتها واحتويها بيدي
الكبيرة قمنا نحو بهو القاعة واتجهنا الى السيارة وبينما اجلستها في مقعدها قبلت
خدى الايمن هي هذه المرة فكانت سعادتي لا توصف وانطلقت بها إلي المطعم وانتظرنا
باقي الزملاء وتشاركنا الطعام كما فعل معظم الزملاء وبعد ان انتهينا وسوينا الحساب
انطلق كل من الزملاء إلي بيته وانطلقت اوصلها لبيتها وبينما نزلت لأفتح لها الباب
قالت لي في بساطة
- أتود ان تحتسى كوب من الشاي او القهوة قبلما تغادر..
نظرت لها في حيرة وانا غير مصدق انها تدعوني لمنزلها.. وقفت كالأبله
لا أستطيع الرد.. ابتسمت وقالت لي:
- هيا هيا فأنا لا أعض..
واخيرًا استطاعت شفتاي الكلام فقلت انه من دواعي سروري وصعدنا في
المصعد متشابكي الأيدي وسبقتني بخطوة فأخرجت مفاتيحها وفتحت الباب.. دخلت ورائها
وبينما جلست على اريكة مريحة اعدت بعض القهوة ووافتني وجلست أمامي وانا شبة نائم
احلم فعلًا أنها هي التي تجلس أمامي بكل سحرها وفتنتها وجمالها وبينما ثرثرنا عن
بعض الأشياء قمت قائلًا إن الوقت تأخر وأنها لابد ان تنام لتستطيع العمل في الغد..
وبالفعل توجهت نحو الباب فلحقتني وهي تستبقيني قليلًا.. كنت أشد حرصًا منها على
المكوث ولكن لأني اعرف نفسي جيدًا لن اغامر بعلاقتي بها بعدما وصلت لهذه المرحلة
التي تمنيتها منذ دهر فقبلت وجنتها وفتحت الباب وخرجت مسرعا وقدت سيارتي للمنزل.
***
No comments:
Post a Comment